للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزنا، وأصل الفحش مجاوزة الحدّ في السوء ومنه قول طرفة

عقيلة مال الفاحش المتشدد

يعني الذي جاوز الحد في البخل فلعل المراد منها هنا المعصية البالغة في القبح، والظلم الذنب مطلقا وذكره بعدها من ذكر العام بعد الخاص، وأو على الوجوه للتنويع ولا يرد أنه على بعض الوجوه الترديد بين الخاص والعام وقد توقف في قبوله لأنهم قالوا: إن هذا ترديد بين فرقتين من يستغفر للفاحشة ومن يستغفر لأي ذنب صدر عنه وكم بينهما، وجواب إِذا قوله تعالى شأنه: ذَكَرُوا اللَّهَ أي تذكروا حقه العظيم ووعيده، أو ذكروا العرض عليه، أو سؤاله عن الذنب يوم القيامة أو نهيه أو غفرانه وقيل: ذَكَرُوا جماله فاستحيوا وجلاله فهابوا، وقيل: ذَكَرُوا ذاته المقدسة عن جميع القبائح وأحبوا التقرب إليه بالمناسبة له بالتطهير من الذمائم، وعلى كل تقدير ليس المراد مجرد ذكر اسمه عز اسمه فَاسْتَغْفَرُوا أي طلبوا المغفرة منه تعالى لِذُنُوبِهِمْ كيفما كانت ومفعول فَاسْتَغْفَرُوا محذوف لفهم المعنى أي استغفروه، وليس المراد مجرد طلب المغفرة بل مع التوبة وإلا فطلب المغفرة مع الإصرار كالاستهزاء بالرب جل شأنه، ومن هنا قالت رابعة العدوية: استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ اعتراض بين المعطوفين أو بين الحال وذيها، والتركيب على ما أفاده بعض المحققين يدل على أمور من جهة الله تعالى وأمور من جهة العبد.

أما الأول فعلى وجوه: أحدها دلالة اسم الذات بحسب ما يقتضيه المقام من معنى الغفران الواسع وإيراد التركيب على صيغة الإنشاء دون الإخبار بأن لم يقل وما يغفر الذنوب إلا الله تقرير لذلك المعنى وتأكيد له كأنه قيل:

هل تعرفون أحدا يقدر على غفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها سالفها وغابرها غير من وسعت رحمته كل شيء، وثانيها تقديمه عن مكانه وإزالته عن مقرّه لأنه اعتراض بين المبتدأ وهو الَّذِينَ والخبر الآتي، ثم بين المعطوف والمعطوف عليه أو الحال وصاحبه للدلالة على شدة الاهتمام به والتنبيه على أنه كلما وجد الاستغفار لم يتخلف الغفران، وثالثها الإتيان بالجمع المحلى باللام إعلاما بأن التائب إذا تقدم بالاستغفار يتلقى بغفران ذنوبه كلها فيصير كمن لا ذنب له، ورابعها دلالة النفي بالحصر والإثبات على أنه لا مفزع للمذنبين إلا كرمه وفضله، وذلك أن من وسعت رحمته كل شىء لا يشاركه أحد في نشرها كرما وفضلا، وخامسها إسناد غفران الذنوب إلى نفسه سبحانه وإثباته لذاته المقدس بعد وجود الاستغفار وتنصل عبيده يدل على تحقق ذلك قطعا إما بحسب الوعد كما نقول، أو بحسب العدل كما يزعمه المعتزلة. وأما الثاني ففيه وجوه أيضا:

الأول إن في إبداء سعة الرحمة واستعجال المغفرة بشارة عظيمة وتطييبا للنفوس، والثاني أن العبد إذا نظر إلى هذه العناية الشديدة والاهتمام العظيم في شأن التوبة يتحرك نشاطه ويهتز عطفه فلا يتقاعد عنها، والثالث أن في ضمن معنى الاستغراق قلع اليأس والقنوط ولهذا علل سبحانه النهي في قوله تعالى: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: ٥٣] بقوله جل شأنه: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] والرابع أنه أطلقت الذنوب وعمت بعد ذكر الفاحشة وظلم النفس وترك مقتضى الظاهر ليدل به على عدم المبالاة في الغفران فإن الذنوب وإن كبرت فعفو الله تعالى أكبر، والخامس أن الاسم الجامع في التركيب كما دل على سعة الغفران بحسب المقام يدل أيضا مع إرادة الحصر على أنه تعالى وحده معه مصححات المغفرة من كونه عزيزا ليس فوقه أحد فيرد عليه حكمه وكونه حكيما يغفر لمن تقتضي حكمته غفرانه.

وقد التزم بعضهم كون- أل- في الذُّنُوبَ للجنس لتفيد الآية امتناع صدور مغفرة فرد منها من غيره تعالى، وهذا على ظنه لا تفيده الآية على تقدير إرادة كل الذُّنُوبَ وحينئذ يزداد أمر المبالغة، وأما جعل الجملة حالية

<<  <  ج: ص:  >  >>