للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ نصرفها بينهم فنديل لهؤلاء مرة ولهؤلاء أخرى كما وقع ذلك يوم بدر ويوم أحد، والمداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر، يقال: تداولته الأيدي إذا انتقل من واحد إلى واحد، والنَّاسِ عام، وفسره ابن سيرين بالأمراء، واسم الإشارة مبتدأ، والْأَيَّامُ خبره، ونُداوِلُها في موضع الحال، والعامل فيها معنى الإشارة أو خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون الْأَيَّامُ صفة أو بدلا أو عطف بيان، ونُداوِلُها هو الخبر، وبَيْنَ النَّاسِ ظرف لنداولها، وجوز أن يكون حالا من الهاء، وصيغة المضارع الدالة على التجدد والاستمرار للإعلام بأن تلك المداولة سنة مسلوكة فيما بين الأمم قاطبة إلى أن يأتي أمر الله تعالى ومن كلامهم: الأيام دول، والحرب سجال، وفي هذا ضرب من التسلية للمؤمنين، وقرئ- يداولها.

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا تعليل لما هو فرد من أفراد مطلق المداولة المشار إليها فيما قبل، وهي المداولة المعهودة الجارية بين فريقي المؤمنين والكافرين، واللام متعلقة بما دل عليه المطلق من الفعل المقيد بالوقوع بين الفريقين المذكورين أو بنفس الفعل المطلق باعتبار وقوعه بينهما، والجملة معطوفة على علة أخرى لها معتبرة إما على الخصوص والتعيين للدلالة المذكورة عليها كأنه قيل: نُداوِلُها بينكم وبين عدوكم ليظهر أمركم وليعلم، وإما على العموم والإبهام للتنبيه على أن العلل غير منحصرة فيما عد من الأمور، وأن العبد يسوءه ما يجري عليه ولا يشعر بما لله في طيه من الألطاف، كأنه قيل: نجعلها دولا بينكم لتكون حكما وفوائد جمة وَلِيَعْلَمَ إلخ، وفيه من تأكيد التسلية ما لا يخفى، وتخصيص البيان بعلة هذا الفرد من مطلق المداولة دون سائر أفرادها الجارية بين بقية الأمم تعيينا أو إبهاما لعدم تعلق الغرض العلمي ببنيانها، ولك أن تجعل المحذوف المبهم عبارة عن علل سائر أفرادها للإشارة إجمالا إلى أن كل من أفرادها له علة داعية في الظاهر إليه كأنه قيل: نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ كافة ليكون كيت وكيت من الحكم الداعية إلى تلك الأفراد وَلِيَعْلَمَ إلخ، فاللام الأولى متعلقة بالفعل المطلق باعتبار تقييده بتلك الأفراد، والثانية باعتبار تقييده بالفرد المعهود- قاله مولانا شيخ الإسلام.

وجوزوا أن يكون الفعل معطوفا على ما قبله باعتبار المعنى كأنه قيل: داولت بينكم الأيام لأن هذه عادتنا وَلِيَعْلَمَ إلخ، وقيل: إن الفعل المعلل به محذوف ويقدر مؤخرا، والتقدير وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا فعل ذلك ومنهم من زعم زيادة الواو وهو من ضيق المجال، والكلام من باب التمثيل أي ليعاملكم معاملة من يريد أن يعلم المخلصين الثابتين على الإيمان من غيرهم. والعلم فيه مجاز عن التمييز من باب إطلاق اسم السبب على المسبب أي ليميز الثابتين على الإيمان من غيرهم. وحمل العلم على التمييز في حال التمثيل تطويل من غير طائل، واختار غير واحد حمل العلم على التعلق التنجيزي المترتب عليه الجزاء. وقد تقدم بعض الكلام على ذلك في البقرة.

وبالجملة لا يرد لزوم حدوث العلم الذي هو صفة قائمة بذاته تعالى وإطلاق الإيمان مع أن المراد هو الرسوخ والإخلاص فيه للإشعار بأن اسم الإيمان لا ينطلق على غيره.

وزعم بعضهم أن التقدير ليعلم الله المؤمن من المنافق إلا أنه استغنى بذكر أحدهما عن الآخر ولا حاجة إليه، ومثله القول بحذف المضاف أي صبر الذين، والالتفات إلى الغيبة بإسناده إلى الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار بأن صدور كل واحد مما ذكر بصدد التعليل من أفعاله تعالى باعتبار منشأ معين من صفاته التي استجمعها هذا الاسم الأعظم مغاير لمنشأ الآخر وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ جمع شهيد وهو قتيل المعركة وأراد بهم شهداء أحد كما قاله الحسن وقتادة وابن إسحاق، و «من» ابتدائية أو تبعيضية متعلقة- بيتخذ- أو بمحذوف وقع حالا من شُهَداءَ، وقيل: جمع شاهد أي ويتخذ منكم شهودا معدلين بما ظهر من الثبات على الحق والصبر على الشدائد وغير ذلك من

<<  <  ج: ص:  >  >>