للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوهر ملكي عقلي فالتجلي باسمه تعالى الله للجوهر الملكي أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: ٢٨] وباسم الرب للنفس الشيطانية رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ [المؤمنون: ٩٧] وباسم الرحمن للنفس السبعية بناء على أنه مركب من لطف وقهر الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الفرقان: ٢٦] وباسم الرحيم للنفس البهيمية أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ [المائدة: ٥] وبمالك يوم الدين للبدن الكثيف سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن: ٣١] .

وآثار هذا التجلي طاعة الأبدان بالعبادة وطاعة النفس الشيطانية بطلب الاستعانة والسبعية بطلب الهداية والبهيمية بطلب الاستقامة، وتواضعت الروح القدسية فعرضت لطلب إيصالها إلى الأرواح العالية المطهرة وأيضا دعائم الإسلام خمس فالشهادة من أنوار تجلي الله والصلاة من أنوار تجلي الرب وإيتاء الزكاة من أنوار تجلي الرحمن وصيام رمضان من أنوار تجلي الرحيم والحج من أنوار تجلي مالك يوم الدين وكأنه لهذا طلبت الفاتحة في الصلاة التي هي العماد ولما بلغ الثناء الغاية القصوى قال سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ايا في المشهور ضمير نصب منفصل واللواحق حروف زيدت لبيان الحال، وقيل أسماء أضيف هو إليها، وقيل الضمير هي تلك اللواحق وايا عامة، وقيل الضمير هو المجموع، وقيل ايا مظهر مبهم مضاف إلى اللواحق وزعم أبو عبيدة اشتقاقه وهو جهل عجيب والبحث مستوفى في علم النحو، وقد جاء وياك بقلب الهمزة واوا ولا أدري أهو عن القراء أم عن العرب وقرأ عمرو بن فائدة عن أبيّ إياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء وعلي وأبو الفضل الرقاشي أياك بفتح الهمزة والتشديد وأبو السوار الغنوي هياك بابدال الهمزة مكسورة ومفتوحة هاء والجمهور إياك بالكسر والتشديد، والعبادة أعلى مراتب الخضوع ولا يجوز شرعا ولا عقلا فعلها إلا لله تعالى لأنه المستحق لذلك لكونه موليا لأعظم النعم من الحياة والوجود وتوابعهما ولذلك يحرم السجود لغيره سبحانه لأن وضع أشرف الأعضاء على أهون الأشياء هو التراب وموطىء الأقدام والنعال غاية الخضوع وقيل: لا تستعمل إلا في الخضوع له سبحانه وما ورد من نحو قوله تعالى إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء:

٩٨] وارد على زعمهم تعريضا لهم ونداء على غباوتهم وتستعمل بمعنى الطاعة ومنه أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ وبمعنى الدعاء منه إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي [غافر: ٦٠] وبمعنى التوحيد ومنه وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] وكلها متقاربة المعنى وذكر بعض المحققين أن لها ثلاث درجات (١) لأنه إما أن يعبد الله تعالى رغبة في ثوابه أو رهبة من عقابه ويختص باسم الزاهد حيث يعرض عن متابعة الدنيا وطيباتها طمعا فيما هو أدوم وأشرف وهذه مرتبة نازلة عند أهل الله تعالى وتسمى عبادة وإما أن يعبد الله تعالى تشرفا بعبادته أو لقبوله لتكاليفه أو بالانتساب إليه وهذه مرتبة متوسطة وتسمى بالعبودية (٢) وإما أن يعبد الله تعالى لاستحقاقه الذاتي من غير نظر إلى نفسه بوجه من الوجوه ولا يقتضيه إلا الخضوع والذلة وهذه أعلى الدرجات وتسمى بالعبودة وإليه الإشارة بقول المصلى.

أصلي لله تعالى فإنه لو قال أصلي لثوابه تعالى مثلا أو للتشرف بعبادته فسدت صلاته. والاستعانة طلب المعونة وياء فعله منقلبة عن واو وتمسكت الجبرية والقدرية بهذه الآية أما الجبرية فقالوا لو كان العبد مستقلا لما كان للاستعانة على الفعل فائدة، وأما القدرية فقالوا: السؤال إنما يحسن لو كان العبد متمكنا في أصل الفعل فيطلب الإعانة من الغير أما إذا لم يقدر عليه لم يكن للاستعانة فائدة، وقد أشار ناصر الملة والدين البيضاوي بيض الله تعالى وجه حجته ببيان المعونة إلى أنه لا تمسك لواحد من الفريقين في ذلك حيث قال: وهي إما ضرورية أو غيرها والضرورية ما لا يتأتى الفعل دونه


(١) وبما ذكرنا سقط ما قيل إن العبادة إذا كانت أعلى مراتب الخضوع يلزم أن لا يكون أكثر المؤمنين عابدين اهـ منه.
(٢) والإمام الرازي في التفسير لم يضع للثانية اسما وسمى الثالثة بالعبودية اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>