للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التدبير بالكلية، وعن خالد بن زيد أنه قرأ فَإِذا عَزَمْتَ بصيغة المتكلم، والمعنى فإذا قطعت لك بشيء وعينته لك فتوكل علي ولا تشاور به أحدا، والالتفات لتربية المهابة وتعليل التوكل والأمر به فإن عنوان الألوهية الجامعة لجميع صفات الكلام مستدعى للتوكل عليه سبحانه والأمر به.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ عليه الواثقين به المنقطعين إليه فينصرهم ويرشدهم إلى ما هو خير لهم كما تقتضيه المحبة، والجملة تعليل للتوكل عليه سبحانه، وقد روعي في الآية حسن الترتيب وذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمر أولا بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصة نفسه فإذا انتهوا إلى هذا المقام أمر أن يستغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى لتنزاح عنهم التبعتان فلما صاروا إلى هنا أمر بأن يشاورهم في الأمر إذ صاروا خالصين من التبعتين مصفين منهما، ثم أمر صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك بالتوكل على الله تعالى والانقطاع إليه لأنه سبحانه السند الأقوم والملجأ الأعظم الذي لا تؤثر الأسباب إلا به ولا تنقضي الحاج إلا عند بابه إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفا للمؤمنين لإيجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي يستحق بها النصرة والتحذير عن معصيته التي يستحق بها الخذلان أي أن يرد نصركم كما أراده يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفي الجنس المنتظم بجميع أفراد الغالب ذاتا وصفة فهو أبلغ من لا يغلبكم أحد لدلالته على نفي الصفة فقط.

ثم المفهوم من ظاهر النظم الكريم- كما قال شيخ الإسلام- وإن كان نفي مغلوبيتهم من غير تعرض لنفي المساواة أيضا وهو الذي يقتضيه المقام لكن المفهوم منه فهما قطعيا هو نفي المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين، فإذا قلت: لا أكرم من فلان ولا أفضل منه بالمفهوم منه حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ولا اختصاص بالنفي الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الأنعام: ١٤٤، الأعراف: ٣٧، يونس: ١٧، الكهف: ١٥] في مواقع كثيرة من التنزيل وقد أشرنا إلى هذا المبحث فيما تقدم وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ أي وإن يرد خذلانكم ويمنعكم معونته كما فعل يوم أحد.

وقرئ «يخذلكم» من أخذله إذا جعله مخذولا فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر على نحو انتفاء الغالب، وقيل: وجاء جواب الشرط في الأول صريح النفي ولم يجيء في الثاني كذلك تلطفا بالمؤمنين حيث صرح لهم بعدم الغلبة ولم يصرح بأنه لا ناصر لهم وان كان الكلام مفيدا له مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد خذلانه أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه فعلى الأول- بعد- ظرف زمان وهو الأصل فيها، وعلى الثاني مستعار للمكان وَعَلَى اللَّهِ لا على غيره كما يؤذن بذلك تقديم المعمول.

فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ المراد بهم إما جنس المؤمنين والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا، وإما المخاطبون خاصة بطريق الالتفات على التقديرين لا يخفى ما في ذلك من تشريف المخاطبين مع الإيماء إلى تعليل تحتم التوكل عليه تعالى، والفاء كما قالوا: لترتيب ما بعدها أو الأمر به على ما مرّ من غلبة المؤمنين ومغلوبيتهم على تقدير نصر الله تعالى لهم وخذلانه إياهم فإن العلم بذلك مما يستدعي قصر التوكل عليه سبحانه لا محالة.

وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ أي ما صح ولا استقام لنبي من الأنبياء أن يخوف في المغنم لأن الخيانة تنافي النبوة وأصل الغل الأخذ بخفية ولذا استعمل في السرقة ثم خص في اللغة بالسرقة من المغنم قبل القسمة وتسمى غلولا أيضا، قيل: وسميت بذلك لأن الأيدي فيها مغلولة أي ممنوعة مجعول فيها غل وهي الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>