العباد إلى الله تعالى فباعتبار أنهم ينقلبون إلى حال لا يملكون فيها لأنفسهم شيئا كما كان قبل ما ملكوا هُمْ عائد على الموصولين باعتبار المعنى وهو مبتدأ، وقوله تعالى: دَرَجاتٌ خبره والمراد هم متفاوتون إطلاقا للملزوم على اللازم، أو شبههم بالدرج في تفاوتهم علوا وسفلا على سبيل الاستعارة أو جعلهم نفس الدرجات مبالغة في التفاوت فيكون تشبيها بليغا بحذف الأداة، وقيل: إن الكلام على حذف مضاف ولا تشبيه أي هُمْ ذوو درجات أي منازل، أو أحوال متفاوتة، وهذا معنى قول مجاهد والسدي: لهم درجات، وذهب بعضهم أن في الآية حينئذ تغليب الدرجات على الدركات إذ الأول للأول، والثاني للثاني عِنْدَ اللَّهِ أي في علمه وحكمه، والظرف متعلق بدرجات على المعنى، أو بمحذوف وقع صفة لها.
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ من الأعمال ودرجاتها فيجازيهم بحسبها- والبصير- كما قال حجة الإسلام هو الذي يشاهد ويرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى وإبصاره أيضا منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، ومقدس عن أن يرجع إلى انطباع الصور والألوان في ذاته كما ينطبع في حدقة الإنسان، فإن ذلك من التغيير والتأثر المقتضي للحدثان وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه تعالى عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المبصرات وذلك أوضح وأجلى مما نفهمه من إدراك البصر القاصر على ظواهر المرئيات انتهى، ويفهم منه أن البصر صفة زائدة على العلم- وهو الذي ذهب إليه الجمهور منا، ومن المعتزلة والكرامية قالوا: لأنا إذا علمنا شيئا علما جليا ثم أبصرناه نجد فرقا بين الحالتين بالبديهة، وإن في الحالة الثانية حالة زائدة هي الإبصار.
وقال الفلاسفة والكعبي وأبو الحسين البصري والغزالي عند بعض وادعى أن كلامه هذا مشير إليه أن بصره تعالى عبارة عن علمه تعالى بالمبصرات، ومثل هذا الخلاف في السمع، والحق أنهما زائدان على صفة العلم وأنهما لا يكيفان ولا يحدّان والإقرار بهما واجب كما وصف بهما سبحانه نفسه، وإلى ذلك ذهب السلف الصالح وإليه ينشرح الصدر لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ أي أنعم وتفضل، وأصل المنّ القطع وسميت النعمة منة لأنه يقطع بها عن البلية وكذا الاعتداد بالصنيعة منا لأنه قطع لها عن وجوب الشكر عليها، والجملة جواب قسم محذوف أي والله لقد منّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي من قومه أو من العرب مطلقا أو من الأنس- وخير الثلاثة الوسط- وإليه ذهبت عائشة رضي الله تعالى عنها: فقد أخرج البيهقي وغيره عنها أنها قالت هذه للعرب خاصة- والأول خير من الثالث- وأيّا ما كان فالمراد بهم على ما قال الأجهوري: المؤمنون من هؤلاء في علم الله تعالى أو الذين آل أمرهم إلى الإيمان إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ أي بينهم رَسُولًا عظيم القدر جليل الشأن مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي من نسبهم، أو من جنسهم عربيا مثلهم أو من بني آدم لا ملكا ولا جنيا وإِذْ ظرف- لمن- وهو وإن كان بمعنى الوقت لكن وقع في معرض التعليل كما نص عليه معظم المحققين، والجار إما متعلق ب «بعث» أو بمحذوف وقع صفة- لرسولا- والامتنان بذلك إما لحصول الأنس بكونه من الإنس فيسهل التلقي منه وتزول الوحشة والنفرة الطبيعية التي بين الجنسين المختلفين، وإما ليفهموا كلامه بسهولة ويفتخروا على سائر أصناف نوع بني آدم، وإما ليفهموا ويفتخروا ويكونوا واقفين على أحواله في الصدق والأمانة فيكون ذلك أقرب إلى تصديقه والوثوق به صلى الله تعالى عليه وسلم، وتخصيص المؤمنين بالامتنان مع عموم نعمة البعثة كما يدل عليه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] لمزيد انتفاعهم على اختلاف الأقوال فيهم بها، ونظير ذلك قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: ٢] وقرئ- «لمن منّ الله» - بمن الجارة ومنّ المشددة النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف مثل منه أو بعثه وحذف لقيام الدلالة، وجوز الزمخشري أن تكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما بمعنى لمن منّ الله تعالى على المؤمنين وقت