للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذلك الوقت خاصة بناء على عدم كونه مظنة له داعيا إليه بل على كونه داعيا إلى عدمه فإن كون مصيبة عدوهم مثلي مصيبتهم مما يهون الخطب ويورث السلوة، أو أفعلتم ما فعلتم من الفشل والتنازع أو الخروج من المدينة والإلحاح على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولما أصابتكم غائلة ذلك قلتم أَنَّى هذا وهذا على تقدير توجيه الإنكار لاستبعادهم الحادثة مع مباشرتهم لسببها، وجوز أن يكون المعطوف عليه القول إشارة إلى أن قولهم كان غير واحد بل قالوا أقوالا لا ينبغي أن يقولوها.

وذهب جماعة إلى أن المعطوف عليه ما مضى من قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ [آل عمران: ١٥٢] إلى هنا وللتعلق بقصة واحدة لم يتخلل بينهما أجنبي ليكون القول بذلك بعيدا كما ادعاه أبو حيان، والهمزة حينئذ متخللة بين المتعاطفين للتقرير بمعنى التثبيت أو الحمل على الإقرار والتقريع على مضمون المعطوف والمعنى أكان من الله تعالى الوعد بالنصر بشرط الصبر والتقوى فحين فشلتم وتنازعتم وعصيتم وأصابكم الله تعالى بما أصابكم قُلْتُمْ أَنَّى هذا.

والجمهور على أن الهمزة مقدمة من تأخير، والواو أصلها التقديم، وهو مذهب سيبويه وغيره، والجملة الاستفهامية معطوفة على ما قبلها واختار هذا في البحر، وإسناد الإصابة إلى المصيبة مجاز وإلى المخاطبين حقيقة ولم يؤت بالإسنادين من باب واحد زيادة في التقريع، وتذكير اسم الإشارة في أَنَّى هذا مراعاة لمعنى المصيبة المشار إليها وهو المشهور أو لما أن إشارتهم ليست إلا لما شاهدوه في المعركة من حيث هو هو من غير أن يخطر ببالهم تسميته باسم ما فضلا عن تسميته باسم المصيبة، وإنما هي عند الحكاية وفي الآية على ما قيل: جواب ضمني عن استبعادهم تلك الإصابة، يعني أن أحوال الدنيا لا تدوم على حالة واحدة فإذا أصبتم منهم مثل ما أصابوا منكم وزيادة فما وجه الاستبعاد، لكن صرح بجواب آخر يبرئ العليل ويشفي الغليل وتطأطئ منه الرؤوس فقال سبحانه: قُلْ يا محمد في جواب سؤالهم الفاسد هُوَ أي هذا الذي أصابكم كائن مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ أي أنها السبب له حيث خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بتركهم المركز وحرصوا على الغنيمة فعاقبهم الله تعالى بذلك- قاله عكرمة- أو حيث إنكم قد اخترتم قبل أن يقتل منكم سبعون في مقابلة الفداء الذي أخذتموه من أسارى بدر، وعزي هذا إلى الحسن، ويدل عليه ما

أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي، وآخرون عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله تعالى قد كره ما فعل قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين: إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وإما أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الناس فذكر لهم ذلك فقالوا: يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ فداءهم نتقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر، أو حيث اخترتم الخروج من المدينة ولم تبقوا حتى تقاتلوا المشركين فيها قاله الربيع وغيره.

وأخرج ابن جرير عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لأصحابه يوم أحد حين قدم أبو سفيان والمشركون: «إنا في جنة حصينة- يعني بذلك المدينة- فدعوا القوم يدخلوا علينا نقاتلهم فقال له ناس من الأنصار: إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة وقد كنا نمتنع من ذلك في الجاهلية فبالإسلام أحق أن نمتنع فابرز بنا إلى القوم فانطلق فلبس لأمته فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلّى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره اذهب يا حمزة فقل له: أمرنا لأمرك تبع فأتى حمزة فقال له: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز وأنه سيكون فيكم مصيبة قالوا: يا نبي الله خاصة أو عامة؟ قال: سترونها»

واعترض هذا القول بأنه يأباه أن الوعد بالنصر كان بعد اختيار الخروج وأن عمل النبي

<<  <  ج: ص:  >  >>