مبالغة في تقبيح حالهم، وقيل: رمزا إلى أن أخذ الميثاق كان في كتابهم الذي أوتوه، وروى سعيد بن جبير ان أصحاب عبد الله يقرؤون وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم- لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ جواب ميثاق لتضمنه معنى القسم، والضمير للكتاب أي بالله لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها أمر نبوة محمد صلى الله تعالى عليه ولم وهو المقصود بالحكاية، وظاهر كلام السدي وابن جبير أن الضمير لمحمد صلّى الله عليه وسلم وإن لم يصرح باسمه الشريف عليه الصلاة والسلام.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش ليبيننه بياء الغيبة، وقد قرر علماء العربية أنك إذا أخبرت عن يمين حلف بها فلك في ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون بلفظ الغائب كأنك تخبر عن شيء كأن تقول:
استحلفته ليقومنّ، الثاني أن تأتي بلفظ الحاضر تريد اللفظ الذي قيل له فتقول: استحلفته لتقومن كأنك قلت: قلت له:
لتقومن، الثالث أن تأتي بلفظ المتكلم فتقول: استحلفته لأقومنّ، ومنه قوله تعالى: تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ [النمل: ٤٩] بالنون والياء والتاء، ولو كان تقاسموا أمرا لم يجىء فيه الياء التحتية لأنه ليس بغائب قاله بعض المحققين وَلا تَكْتُمُونَهُ عطف على الجواب وإنما لم يؤكد بالنون لكونه منفيا، وقال أبو البقاء: اكتفاء بالتوكيد في الفعل الأول.
وجوز أن يكون حالا من ضمير المخاطبين إما على إضمار مبتدأ بعد الواو أي وأنتم لا تكتمونه وإما على رأي من يجوز دخول الواو على المضارع المنفي عند وقوعه حالا أي لتظهرنه غير كاتمين، والنهي عن الكتمان بعد الأمر بالبيان للمبالغة في إيجاب المأمور به- كما ذهب اليه غير واحد- أو لأن المراد بالبيان المأمور به ذكر الآيات الناطقة بنبوته صلّى الله عليه وسلم وبالكتمان المنهي عنه إلغاء التأويلات الزائغة والشبهات الباطلة كما قيل.
وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه كان يفسر لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ بقوله لتتكلمن بالحق ولتصدقنه بالعمل، وأمر النهي بعد الأمر على هذا ظاهر أيضا، ولعل الكلام عليه أفيد.
وقرأ ابن كثير ومن معه ولا يكتمونه بالياء كما في سابقه فَنَبَذُوهُ أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق وَراءَ ظُهُورِهِمْ ولم يراعوه ولم يلتفتوا اليه أصلا فإن النبذ وراء الظهر تمثيل واستعارة لترك الاعتداد وعدم الالتفات وعكسه جعل الشيء نصب العين ومقابلها وَاشْتَرَوْا بِهِ أي بالكتاب الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه، وقيل:
الضمير للعهد والأول أولى، والمعنى أخذوا بدله ثَمَناً قَلِيلًا من حطام الدنيا الفانية وأغراضها الفاسدة فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ أي بئس شيئا يشترونه ذلك الثمن فيما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس وجملة يشترونه صفته، والمخصوص بالذم محذوف، وقيل: ما مصدرية فاعل بئس والمخصوص محذوف أي بئس شراؤهم هذا الشراء لأستحقاقهم به العذاب الأليم، واستدل بالآية على وجوب إظهار العلم وحرمة كتمان شيء من أمور الدين لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم واستجلاب لمسارهم واستجذاب لمبارهم ونحو ذلك،
وفي الخبر «من سئل عن علم فكتمه ألجم بالجام من نار» ،
وروى الثعلبي بإسناده عن الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟ فقال: أما علمت أني تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني، وإما أن أحدثك؟ فقال: حدثني فقلت: حدثني الحكم بن عيينة عن نجم الخراز قال: سمعت علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه يقول: ما أخذ الله تعالى على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني أربعين حديثا،
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة لولا ما أخذ الله تعالى على أهل الكتاب ما حدثتكم وتلا هذه الآية.
وأخرج ابن سعد عن الحسن لولا الميثاق الذي أخذه الله تعالى على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون