معذبا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إلى آخر الآيتين فإنه لو كان الأولى إجراء الموصول على عمومه لأجراه حبر الأمة وترجمان القرآن، وأزال الإشكال يتقييد الفرح بفرح الإعجاب كما فعل صاحب هذا القول ولا يلزم من كلام الحبر على هذا عدم حرمة الفرح فرح إعجاب وحب الحمد بما لم يفعل بالمرة بل قصارى ما يلزم منه كلام الحبر على هذا عدم حرمة الفرح فرح إعجاب وحب الحمد بما لم يفعل بالمرة بل قصارى ما يلزم منه عدم كون ذلك مفاد الآية كما قيل وهو لا يستلزم عدم كونه مفاد شيء أصلا ليكون ذلك قولا بعدم الحرمة، كيف وكثير من النصوص ناطق بحرمة ذلك حتى عده البعض من الكبائر؟! فليفهم وأيّا ما كان فالموصول مفعول أول لتحسبن وقوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ تأكيد له والعرب كما قال الزجاج إذا أطالت القصة تعيد حسبت وما أشبهها إعلاما بأن الذي جرى متصل بالأول وتوكيد له، فتقول: لا تظنن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا فيفيد لا تظنن توكيدا وتوضيحا، والفاء زائدة كما في قوله:
فإذا هلكت «فعند» ذلك فاجزعي والمفعول الثاني في قوله سبحانه: بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ أي متلبسين بنجاة منه على أن المفازة مصدر ميمي بمعنى الفوز، والتاء ليست للوحدة لبناء المصدر عليه، ومِنَ الْعَذابِ متعلق به، وجوز أن تكون المفازة اسم مكان أي محل فوز ونجاة، وأن يستعار من المفازة للقفر وحينئذ يكون من العذاب صفة له لأن اسم المكان لا يعمل ولا بد من تقدير المتعلق خاصا أي منجية مِنَ الْعَذابِ وتقديره عاما- أي بمفازة كائنة من العذاب- غير صحيح لأن المفازة ليست من العذاب، واعترض بأن تقديره خاصا مع كونه خلاف الأصل تعسف مستغنى عنه، وقرئ بضم الباء الموحدة في الفعلين على أن الخطاب شامل للمؤمنين أيضا، وبياء الغيبة وفتح الباء فيهما على أن الفعل له عليه الصلاة والسلام أو لكل من يأتي منه الحسبان ومفعولاه في القراءتين كما ذكر من قبل.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالياء وفتح الباء في الفعل الأول، وبالياء وضم الباء في الفعل الثاني على أن فاعل «لا يحسبن الذين» بعده ومفعولاه محذوفان يدل عليهما مفعولا مؤكده وفاعل مؤكده ضمير الموصول ومفعولاه ضميرهم، وبمفازة أي «لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا» فلا «يحسبن» أنفسهم بِمَفازَةٍ.
ويجوز أن يكون المفعول الأول- للا يحسبن- محذوفا والمفعول الثاني مذكورا أي أعني بِمَفازَةٍ أن «لا يحسبن الذين يفرحون» أنفسهم فائزين، وقوله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ مؤكد والفاء زائدة كما مر وأن يكون كلا مفعولي «لا يحسبن» مذكورا، الأول ضميرهم المتصل بالفعل الثاني، والثاني «بمفازة» وهو مبني على جعل التأكيد هو الفعل والفاعل فقط على ما هو الأنسب إذ ليس المذكور سابقا سواهما. ورد بأن فيه اتصال ضمير المفعول بغير عامله أو فاعله المتصل بعامله ولم يقل به أحد من النحاة وإن كان فيه تحاش عن الحذف في هذا الباب، وفيه نظر إذ قد صرح كثير بجواز ذلك، وقد أفردت هذه المسألة بالتدوين، وجوز أيضا أن يكون الفعل الأول مسندا إلى ضمير النبي صلّى الله عليه وسلم أو كل حاسب والمفعول الأول الموصول، والمفعول الثاني محذوفا لدلالة مفعول الفعل الثاني عليه والفعل الثاني مسندا إلى ضمير الموصول والفاء للعطف لظهور تفرع عدم حسبانهم على عدم حسبانه عليه الصلاة والسلام أو عدم حسبان كل حاسب ومفعولاه الضمير المنصوب وبِمَفازَةٍ تصدير الوعيد بنهيهم عن الحسبان المذكور على ما قال شيخ الإسلام للتنبيه على بطلان آرائهم الركيكة وقطع أطماعهم الفارغة حيث كانوا يزعمون أنهم ينجون بما صنعوا من