للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإدراك وخاصة بنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك المعنى رؤيته بنعت الكشف له وابتسام صباح الأزل في وجهه لا بنعت الإحاطة والإدراك وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من المال أو العلم أو القدرة أو النفس فلا ينفقونه في سبيل الله على المستحقين، أو المستعدين، أو الأنبياء والصديقين في الذب عنهم، أو في الفناء في الله تعالى هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ لاحتجابهم به سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويلزمون وباله ويبقى ذلك حسرة في قلوبهم عند هلاكهم على ما يشير قوله تعالى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وقد ذكر بعض العارفين أن من أعظم أنواع البخل كتم الأسرار عن أهلها وعدم إظهار مواهب الله تعالى على المريدين وإبقائهم في مهامه الطريق مع التمكن من إرشادهم ويقال: إن مبنى الطريق على السخاء وإن السخاء بالمال وصف المريدين، والسخاء بالنفس وصف المحبين، وبالروح وصف العارفين.

وقال ابن عطاء: السخاء النفس والسر والروح والكل، ومن بخل في طريق الحق بماله حجب وبقي معه، ومن نظر إلى الغير حرم فوائد الحق وسواطع أنوار القرب لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وهم اليهود حيث سمعوا الاستقراض ولم يفهموا سره فوقعوا فيما وقعوا وقالوا ما قالوا وهذا القول إنما يجر إليه الطغيان وغلبة الصفات الذميمة واستيلاء سلطان الهوى على النفس الأمارة فتطلب حينئذ الارتداء برداء الربوبية، ومن هنا تقول:

أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: ٢٤] أحيانا مع حجابها وبعدها عن الحضرة الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قيل: إنه روي أن أنبياء بني إسرائيل كانت معجزتهم أن يأتوا بقربان فيدعوا الله تعالى فتأتي نار من السماء فتأكله وتأويله أن يأتوا بنفوسهم يتقربون بها إلى الله تعالى ويدعون بالزهد والعبادة فتأتي نار العشق من سماء الروح فتأكله وتفنيه في الوحدة وبعد ذلك تصح نبوتهم وتظهر فلما سمع بذلك عوام بني إسرائيل اعتقدوا ظاهره الممكن في عالم القدرة فاقترحوا على كل نبي تلك الآية إلى أن جاء نبينا صلّى الله عليه وسلم فاقترحوا عليه ونقل الله تعالى ذلك لنا ورده عليهم، وأولى من هذا في باب التأويل أن يهود صفات النفس البهيمية والشيطانية قالوا لرسول الخاطر الرحماني والإلهام الرباني لا ننقاد لك حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ هو الدنيا وما فيها تجعلها نسيكة لله عز وجل فتأكلها نار المحبة قُلْ يا وارد الحق قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي أي واردات الحق بِالْبَيِّناتِ بالحجج الباهرة وَبِالَّذِي قُلْتُمْ وهو جعل الدنيا وما فيها قربانا فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ أي غلبتموهم ومحوتموهم حتى لم تبقوا أثرا لتلك الواردات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أنكم تؤمنون لمن يأتيكم بذلك فَإِنْ كَذَّبُوكَ خطاب للرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلم فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ للعوام وَالزُّبُرِ للمتوسطين وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ للخواص، ويحتمل أن يكون الأول إشارة إلى توحيد الأفعال والثاني إلى توحيد الصفات، والثالث إلى توحيد الذات المشار إليه بقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ولهذا أتى بالكتاب مفردا ووصفه بالمنير، وجوز أن يكون الخطاب للوارد الرحماني والرسل إشارة إلى الواردات المختلفة المتنوعة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ حكم شامل لجميع الأنفس مجردة كانت أو بسيطة بحمل الموت على ما يشمل الموت الطبيعي والفناء في الله سبحانه وتعالى تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ على اختلافها يوم القيامة فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ أي نار الحجاب أو ما يعمها والنار المعروفة وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ المتنوعة إلى ما قدمناه غير مرة، أو الجنة بالمعنى الأعم فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ولذاتها الفانية إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ لأنها الحجاب الأعظم لمن نظر إليها من حيث هي لَتُبْلَوُنَّ لتختبرن في أموالكم بإيجاب إنفاقها مع ميلكم إليها وأنفسكم بتعريضها لما يكاد يجر إلى إتلافها مع حبكم لها.

وقال بعض العارفين: إن الله تعالى أظهر النفس وزينها بكسوة الربوبية وملأها باللطف والقهر وكساها زينة الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>