الكتاب ولا أظن أحدا يقول إنه يعلم من هذا التخصيص فلا أختار أنا إلا العموم
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لابن عباس:«إذا استعنت فاستعن بالله» الحديث
وهو ظاهر فيه ولعل ابن عباس من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه وهو الظن الغالب فمن استعان بغيره في المهمات بل وفي غيرها فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم أفلا يستعان به وهو الغني الكبير أم كيف يطلب من غيره والكل إليه فقير؟ وإني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه وضلة من عقله فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا وراموا الثروة من سواه فافتقروا وحاولوا الارتفاع فاتضعوا فلا مستعان إلا به ولا عون إلا منه.
إليك وإلا لا تشد الركائب ... ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالغرام مضيع ... وعنك وإلا فالمحدث كاذب
وقد قرأ عبيد بن عمير الليثي وزيد بن حبيش ويحيى بن وثاب والنخعي نعبد- بكسر النون- وهي لغة قيس وتميم وأسد وربيعة وهذيل وكذلك حكم حروف المضارعة في هذا الفعل وما أشبهه كنستعين مما لم ينضم ما بعدها فيه سوى الياء لاستثقال الكسرة عليها على أن بعضهم قال يجل بكسر ياء المضارعة من وجل وقرأ بعضهم يعلمون وقرأ الحسن وابن المتوكل وأبو مخلف يعبد بالياء مبنيا للمفعول وهو غريب وعن بعض أهل مكة أنه قرأ نعبد بإسكان الدال وقرأ الجمهور نعبد- بفتح النون وضم الدال- وهي لغة أهل الحجاز وهي الفصحى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ الهداية دلالة بلطف لدلالة اشتقاقه ومادته عليه ولذا أطلق على المشي برفق تهاد وسميت الهداية لطفا وقوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٢٣] وارد على الصحيح مورد التهكم على حد فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤، الانشقاق: ٢٤] ويقال هداه لكذا وإلى كذا فتعديه باللام وإلى إذا لم يكن فيه وهداه كذا بدونهما محتمل للحالين حتى لا يجوز في وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: ٦٩] لسبلنا أو إلى سبلنا إلا بإرادة الإرادة في جاهدوا أو إرادة تحصيل المراتب العلية في سبلنا ومن ثم جمعها
وقد ورد: من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم،
وقد يقال المراد بيان الاستعمال الحقيقي، وأما باب التجوز فواسع وهل يعتبر في الدلالة الإيصال أم لا فيه اختلاف المتأخرين من أهل اللسان ففريق خصها بالدلالة الموصلة وآخرون بالدلالة على ما يوصل، وقليل قال: إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الإيصال ولا تسند إلا إليه تعالى كما في الآية وإن تعدت باللام أو إلى كانت بمعنى إراءة الطريق فكما تسند إليه سبحانه تسند إلى القرآن كقوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٩] وإلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كقوله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: ٥٢] والكل من هذه الآراء غير خال عن خلل، أما الأول فيرد عليه قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: ١٧] والجواب بجواز وقوعهم في الضلال بالارتداد بعد الوصول إلى الحق لا يساعده ما في التفاسير والتواريخ فإنها ناطقة بأن الجم الغفير من قوم ثمود لم يتصفوا بالإيمان قطعا وما آمن من قومه إلا قليل وقد بقوا على إيمانهم ولم يرتدوا على أن صاحب الذوق يدرك من نفس الآية خلاف الفرض كما لا يخفى، وأما الثاني فيرد عليه قوله تعالى لحبيبه صلى الله تعالى عليه وسلّم إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:
٥٦] وما يقال إنه على حد قوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: ١٧] أو أن المعنى أنك لا تتمكن من إراءة الطريق لكل من أحببت بل إنما يمكنك إراءته لمن أردنا لا يخلو عن تكلف، وأما الثالث فإن كلام أهل اللغة لا يساعده بل ينادي بما ينافيه ومع ذلك فالقول بأن المتعدية لا تسند إلا إلى الله تعالى منتقض بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا [مريم: ٤٣] وعن