للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ليس لأحد فيهما شيء وهو المتصرف فيهما وفيما اشتملتا عليه فكيف يعجب من ظهر على يده فعل بما ظهر وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لا يقدر سواه على فعل ما حتى يحجب برؤيته إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تأكيد لما قبله وإقامة دليل عليه ولذا لم يعطف، وأتى بكلمة إن اعتناء بتحقق مضمون الجملة أي إن في إيجادهما وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب والبدائع وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي تعاقبها ومجيء كل منهما خلف الآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين لسباحتها في بحر قدرته سبحانه حسب إرادته، وخبر الخرزتين خارج عن سلك القبول وبفرض نظمه فيه مؤول، وثقب التأويل واسع وكون ذلك تابعا لحركة السموات وسكون الأرض- كما قاله مولانا شيخ الإسلام- مخالف لما ذهب إليه جمهور أهل السنة من المحدثين وغيرهم من سكون السموات وتحرك النجوم أنفسها بتقدير الله تعالى العليم، وما ذهب إليه هو مذهب الحكماء المشهور بين الناس، وقد ذكر مولانا الشيخ الأكبر قدس سره ما يخالفه أيضا حيث قال: إن الله سبحانه جعل هذه السموات ساكنة وخلق فيها نجوما تسبح بها وجعل لها في سباحتها حركان مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها تسير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخرق الهواء المماس لها فيحدث بسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماوية وجعل أصحاب علم الهيئة للأفلاك ترتيبا ممكنا في حكم العقل وجعلوا الكواكب في الأفلاك كالشامات على سطح الجسم وكل ما قالوه يعطيه ميزان حركاتها وإن الله تعالى لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه، ولذلك يصيبون في علم الكسوفات ونحوه، وقالوا: إن السموات كالأكر وإن الأرض في جوفها وذلك كله ترتيب وضعي يجوز في الإمكان غيره وهم مصيبون في الأوزان مخطئون في أن الأمر كما رتبوه فليس الأمر إلا على ما ذكرناه شهودا انتهى.

ويؤيد دعوى أنه يجوز في الإمكان غيره ما ذهب إليه أصحاب الزيج الجديد من أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها وأقاموا على ذلك الأدلة والبراهين بزعمهم وبنوا عليه الكسوف والخسوف ونحوهما ولم يتخلف شيء من ذلك فهذا يشعر بأنه لا قطع فيما ذهب اليه أصحاب الهيئة، ويحتمل أن يراد باختلاف الليل والنهار تفاوتهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده باختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بحسب الأزمنة، أو في اختلافهما وتفاوتهما بحسب الأمكنة إما في الطول والقصر فإن البلاد القريبة من قطب الشمال أيامها الصيفية أطول وليالها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها، وإما في أنفسهما فإن كرية الأرض تقتضي أن يكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا، وفي مقابله نهارا وفي بعضها صباحا وفي بعضها ظهرا أو عصرا أو غير ذلك، وهذا مما لا شبهة فيه عند كثير من الناس، وذكره شيخ الإسلام أيضا- وليس بالبعيد- بل اختلاف الأوقات في الأماكن مشاهد محسوس لا يختلف فيه اثنان إلا أن في كرية الأرض اختلافا، فقد ذكر مولانا الشيخ الأكبر قدس سره أن الله تعالى بعد أن خلق الفلك المكوكب في جوف الفلك الأطلس خلق الأرض سبع طبقات وجعل كل أرض أصغر من الأخرى ليكون على كل أرض قبة سماء فلما تم خلقها

<<  <  ج: ص:  >  >>