للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوعد، وقيده الكثير هنا بالإثابة والإجابة. وهو الظاهر، وأما تفسيره بالبعث بعد الموت- كما روي عن ابن عباس- فصحيح لأنه ميعاد الناس للجزاء، وقد يرجع إلى الأول وترك العطف في هذه الأدعية المفتتحة بالنداء بعنوان الربوبية للإيذان باستقلال المطالب وعلو شأنها، وقد أشرنا إلى سر تكرار النداء بذلك الاسم،

وفي بعض الآثار أن موسى عليه السلام قال مرة: يا رب فأجابه الله تعالى لبيك يا موسى فعجب موسى عليه السلام من ذلك فقال: يا رب أهذا لي خاصة؟ فقال: لا ولكن لكل من يدعوني بالربوبية،

وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه من أحزنه أمر فقال: ربنا ربنا خمس مرات نجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد- وقرأ هذه الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: «ما من عبد يقول يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله تعالى إليه.

فذكر للحسن فقال: أما تقرأ القرآن رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً إلخ «فإن قلت» إن وعد الله تعالى واجب الوقوع لاستحالة الخلف في وعده سبحانه إجماعا فكيف طلب القوم ما هو واقع لا محالة؟ «قلت» أجيب بأن وعد الله تعالى لهم ليس بحسب ذواتهم بل بحسب أعمالهم، فالمقصود من الدعاء التوفيق للأعمال التي يصيرون بها أهلا لحصول الموعود، أو المقصود مجرد الاستكانة والتذلل لله تعالى بدليل قولهم: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ وبهذا يلتئم التذييل أتم التئام، واختار هذا الجبائي وعلي بن عيسى، أو الدعاء تعبدي لقوله سبحانه: ادْعُونِي [غافر: ٦٠] فلا يضر كونه متعلقا بواجب الوقوع، وما يستحيل خلافه، ومن ذلك رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الأنبياء: ١١٢] وقيل: إن الموعود به هو النصر لا غير، والقوم قد علموا ذلك لكنهم لم يوقت لهم في الوعد ليعلموه فرغبوا إلى الله تعالى في تعجيل ذلك لما فيه من السرور بالظفر، فالموعود غير مسؤول والمسئول غير موعود، فلا إشكال- وإلى هذا ذهب الطبري- وقال: إن الآية مختصة بمن هاجر من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واستبطؤوا النصر على أعدائهم بعد أن وعدوا به وقالوا: لا صبر لنا على أناتك وحلمك، وقوي بما بعد من الآيات وكلام أبي القاسم البلخي يشير إلى هذا أيضا وفيه كلام يعلم مما قدمنا، وقيل: ليس هناك دعاء حقيقة بل الكلام مخرّج مخرج المسألة- والمراد منه الخبر- ولا يخفى أنه بمعزل عن التحقيق، ويزيده وهنا على وهن قوله سبحانه فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ الاستجابة الإجابة، ونقل عن الفراء أن الإجابة تطلق على الجواب ولو بالرد، والاستجابة الجواب بحصول المراد لأن زيادة السين تدل عليه إذ هو لطلب الجواب، والمطلوب ما يوافق المراد لا ما يخالفه وتتعدى باللام وهو الشائع، وقد تتعدى بنفسها كما في قوله:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وهذا كما قال الشهاب وغيره: في التعدية إلى الداعي وأما إلى الدعاء فشائع بدون اللام مثل استجاب الله تعالى دعاءه، ولهذا قيل: إن هذا البيت على حذف مضاف أي لم يستحب دعاءه، والفاء للعطف وما بعده معطوف إما على الاستئناف المقدر في قوله سبحانه: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا ولا ضير في اختلافهما صيغة لما أن صيغة المستقبل هناك للدلالة على الاستمرار المناسب لمقام الدعاء، وصيغة الماضي هنا للإيذان بتحقيق الاستجابة وتقررها، ويجوز أن يكون معطوفا على مقدر ينساق إليه الذهن أي دعوا بهذه الأدعية فَاسْتَجابَ لَهُمْ إلخ، وإن قدر ذلك القول المقدر حالا فهو عطف على يَتَفَكَّرُونَ باعتبار مقارنته لما وقع حالا من فاعله أعني قوله سبحانه: رَبَّنا إلخ، فإن الاستجابة مترتبة على دعواتهم لا على مجرد تفكرهم، وحيث كانت من أوصافهم الجميلة المترتبة على أعمالهم بالآخرة واستحقت الانتظام في سلك محاسنهم المعدودة في أثناء مدحهم وأما على كون الموصول نعتا لأولي الألباب فلا مساغ لهذا العطف لما عرفت سابقا. وقد أوضح ذلك مولانا شيخ الإسلام. والمشهور العطف على المنساق إلى الذهن وهو المنساق إليه الذهن، وفي ذكر الرب هنا مضافا ما لا يخفى من اللطف.

وأخرج الترمذي

<<  <  ج: ص:  >  >>