ويسيئون صحبتهن ويتربصون بهن أن يمتن فيرثوهن فوعظو في ذلك وهذا قول الحسن، ورواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وأخرج هؤلاء من طريق آخر والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في سننه عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية. فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهنّ إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن فالمراد من اليتامى المتزوج بهن والقرينة على ذلك الجواب فإنه صريح فيه- والربط يقتضيه- ومِنَ النِّساءِ غير اليتامى كما صرحت به الحميراء رضي الله تعالى عنها لدلالة المعنى وإشارة لفظ النساء إليه، والإقساط العدل والإنصاف، وجعل بعض الهمزة فيه للإزالة فأصل معناه حينئذ إزالة القسوط أي الظلم والحيف، وقرأ النخعي تُقْسِطُوا بفتح التاء فقيل: هو من قسط بمعنى جار وظلم، ومنه أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[الجن: ١٥] ولا مزيدة كما في قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ [الحديد: ٢٩] ، وقيل: هو بمعنى أقسط فإن الزجاج حكى أن قسط بلا همزة تستعمل استعمال أقسط، والْيَتامى جمع يتيمة على القلب كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم وهو كما يقال للذكور يقال للإناث، والمراد من الخوف العلم عبر عنه بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقي لأن الذي علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه وإلا لم يكن الأمر شاملا لمن يصبر على الجور ولا يخافه، وإِنْ وما بعدها في تأويل مصدر فإن لم تقدر من كان منصوبا وكان الفعل واصلا إليه بنفسه وإن قدرت جاز فيه أمران: النصب عند سيبويه، والجر عند الخليل، وما موصولة أو موصوفة وما بعدها صلتها، أو صفتها، وأوثرت على من ذهابا إلى الوصف من البكر أو الثيب مثلا، وما تختص- أو تغلب- في غير العقلاء فيما إذا أريد الذات، وأما إذا أريد الوصف فلا كما تقول: ما زيد؟ في الاستفهام، أي أفاضل أم كريم؟
وأكرم ما شئت من الرجال تعني الكريم أو اللئيم.
وحكي عن الفراء أنها هنا مصدرية وأن المصدر المقدر بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل أي- انكحوا الطيب من النساء- وهو تكلف مستغنى عنه، وقيل: إن إيثارها على مِنَ بناء على أن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء لما روي في حقهن أنهن ناقصات عقل ودين، وفيه أنه مخل بمقام الترغيب فيهن، ومِنَ بيانية، وقيل:
تبعيضية، والمراد مما طاب لكم ما مالت له نفوسكم واستطابته، وقيل: ما حل لكم، وروي ذلك عن عائشة، وبه قال الحسن وابن جبير وأبو مالك، واعترضه الإمام بأنه في قوة أبيح المباح، ويلزم الإجمال حيث لا يعلم المباح من الآية وآثر الحمل على الأول ويلزم التخصيص وجعله أولى من الإجمال، وأجاب المدقق في الكشف بأن المبين تحريمه في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النساء: ٢٣] إلخ إن كان مقدم النزول فلا إجمال ولا تخصيص لأن الموصول جار مجرى المعرف باللام، والحمل على العهد في مثله هو الوجه وإلا فالإجمال المؤخر بيانه أولى من التخصيص بغير المقارن لأن تأخير بيان المجمل جائز عند الفريقين، وتأخير بيان التخصيص غير جائز عند أكثر الحنفية.
وقال بعض المحققين: ما طابَ لَكُمْ ما لا تحرج منه لأنه في مقابل المتحرج منه من اليتامى ولا يخلو عن حسن، وكيفما كان فالتعبير عن الأجنبيات بهذا العنوان فيه من المبالغة في الاستمالة إليهن والترغيب فيهن ما لا يخفى، والسر في ذلك الاعتناء بصرف المخاطبين عن نكاح اليتامى عند خوف عدم العدل رعاية ليتمهن وجبرا لانكسارهن ولهذا الاعتناء أوثر الأمر بنكاح الأجنبيات على النهي عن نكاحهن مع أنه المقصود بالذات وذلك لما فيه