للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ} (١).يا أهل الحجاز، قد بلغني [أنكم] (٢) تعيّرونني بأصحابي، وتزعمون أنهم شباب، ويحكم وهل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا شبابا؟ شباب والله يكتهلون في شبابهم، غائبة عن الشرّ أعينهم، ثقيلة عن الباطل أرجلهم، أنضاء (٣) عبادة، وقد نظر الله-عزّ وجلّ -إليهم في جوف الليل، محنيّة أصلابهم على أجزاء القرآن، إذا مر أحدهم بالآية فيها ذكر الجنة دعا شوقا إليها، وإذا مر بالآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، موصول كلالهم بكلالهم، كلال الليل بكلال النهار، قد أكلت الأرض ركبهم وأيديهم وجباههم، فاستقلّوا ذلك في جنب الله-عزّ وجلّ -حتى إذا رأوا السهام قد فوّقت (٤)،والرماح قد أشرعت، والسيوف قد انتضيت، وأرعدت الكتيبة بصواعق الموت/استخفوا رعد الكتيبة في ذات الله-تعالى-فمضى الشباب منهم قدما، حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، وتخضبت بالدماء محاسن وجهه، وأسرعت إليه سباع الأرض، وانحطت عليه طير السماء، فكم من عين في منقار طير طالما بكى صاحبها في جوف الليل في سجوده لله-تعالى-وكم من كف زالت عن معصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في ركوع وسجود لله-تعالى-.

ثم قال أبو حمزة: هاه، هاه، وانتحب، ووضع كمّه على وجهه، وبكى، وبكى الناس لبكائه، وقال للناس: لشتان [بين] (٥) من يدعوكم


(١) التوبة (٣٠).
(٢) سقطت من الأصل.
(٣) الأنضاء: جمع نضو، وهو في الأصل: البعير المهزول من السفر، يريد أن العبادة هزلتهم فأنحفتهم.
(٤) فوّقت: جعلت لها الأفواق. والفوق: موضع الوتر من السهم. اللسان ٣١٩/ ١٠.
(٥) سقطت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>