للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - ومن البراهين الدَّالة على أَنَّ النَّظر الشَّرعي هو المقدّم = انتفاء ما يدلُّ دلالة مُحَقَّقةً على نقيض ما هو ثَّابت عنهم من التعظيم للسنة والانقياد لها.

٣ - أَن ذلك النَّظر الذي وقع من بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن نظَرًا، ورأْيًا صرْفًا فذلك لا يكون إلَّا من أَهل الأهواء، الّذين حذّر منهم عمر بن الخطاب صحابةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أصبح أهل الرَّأي أَعداء السُّنن، أَعيتهم الأحاديثُ أَن يعوها وتفلّتت منهم أن يرووها، فاستبقوها بالرأْي) (١) بل كان من النظر المستعصم بالدلائل الشَّرعية.

ثم قد يكون هذا الدَّليلُ الشّرعي مُحْكمًا، وقد يكون قد دخله النسخ، أو التخصيص، أو التقييد، أَو يكون قد دخل الوهم في تحمُّل الرِّواية. كلُّ ذلك قد يقع.

٤ - أَنَّ شاهدَ العقل يُحيلُ أَن يكون أولئك الكرام الجلّة من أَصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستسيغون ردَّ أحاديثه، ويتجاسرون على تركْ العمل بها =لا يقولُ ذلك إلَاّ جاهل بحالِ أولئك الأبرار، وما استفاض عنهم من طواعيتهم لله استفاضةً تُحيلُ ذلك عليهم.

= وخلاصة القول: أنَّ التمعقل على النَّص الشَّرعي ليس ثابتًا عن الصحابة - رضي الله عنهم -. وإنّما المستقرّ تعظيم النَّصِ، والتسليم له، وهذا التسليم هو معطى عقليٌ، ونتيجةٌ بدهية لقيام البرهان لديهم على صدقه - صلى الله عليه وسلم - وعصمة شريعته، وجريانها على منهج العقل الفطري.

وإنَّما المتحقق من حالهم انقداح الاستشكال لدى بعضهم في فهم بعض النصوص، فيأتي الجواب النبوي رافعًا لما استُشْكِل. كما ثبت من جوابه - صلى الله عليه وسلم - لعُمر حين أشكل عليه مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل القليب (٢) .


(١) أخرجهما ابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (٢/ ١٠٤١ - رقم [٢٠٠١ - ٢٠٠٢])
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب "المغازي " باب "قتل أبي جهل" (٣/ ٨٦ - رقم [٣٩٧٦])، ومسلم كتاب "الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها"،باب"عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه" (٤/ ٢٢٠٤ - رقم [٢٨٧٥])

<<  <   >  >>