فوظّف المتكلمون ما تقرر في المنطق عند بيانهم لحقيقة الإيمان، حيث نظروا في آحاد من يطلق عليهم اسم الإيمان واستخلصوا قدرًا مُشتركًا، هذا القدر من اللوازم الذّاتيّة لماهيَّة الإِيمان، وجعلوا ما يخرج عن هذا القدر المُشتركِ مِن اللَّوازم العرضَيَّة الخارجة عن تمام الماهية، فاللازم الذي عدوه داخلًا في ماهية الإيمان بسبب نظرتهم المُغرقة في التجريد = هو التصديق، وجعلوا العمل من اللَّوازم العرضيَّة الخارجة عن الماهية.
ووَفْقًا لما تقرَّر عندهم في حدِّ النَّوع الّذي يمتنع فيه وقوع الاختلافِ والتفاوتِ في ماهيته =فإنَّهم منعوا وقوع التفاوت في حقيقة الإيمان فترى ابن أبي الشَّريف يقرِّر ذلك بقوله:(ولو سلَّمنا أنَّ ماهيةَ اليقينِ تتفاوتُ لا نُسلِّم أنَّه يتفاوت بمقوّمات الماهية أي أجزائها، بل بغيرها من الأُمور الخارجةِ عنها العارضة لها: كالألف للتكرار ونحوه ... فقد اتفقنا معشر المثبتين لتفاوت الإيمان والنَّافين له =على ثبوت التفاوت في الإيمان بأمر معين، والخلاف في خصوص نسبته أي نسبة ذلك الأمر المعين إلى تلك الماهية بدخوله في مقوماتها، أو خروجه عنها =لا عبرة به لأنَّه ليس خلافًا في نفس التفاوت ... )(١)
وقد سرت هذه اللوثة إلى المشتغلين بالسُّنة، فالكرماني حينما تعرض لحديث (جبريل المشهور): (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بارزًا يوما للناس فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وبكتابه،
(١) "المسامرة شرح المسايرة"لابن أبي الشَّريف (٣٠٩) وابن أبي الشَّريف (٨٢٢ - ٩٠٦ هـ):هو محمد بن محمد ابن أبي بكر بن أبي الشريف، المقدسي، أبو المعالي الشَّافعي، من مُصنَّفاته: "الفرائد في حَلِّ ألفاظ العقائد"،و"الدُّرر الَّلوامع بتحرير ألفاظ جمع الجوامع"=انظر: "الأعلام" (٧/ ٥٣)