للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للحقائق الشّرعية، وهذا اللائق به - صلى الله عليه وسلم -، فلم يُبعث لبيان الحقائق اللُّغويّة، بل هذا تعرفه العرب، وليسوا بحاجة إليها فهو أمرٌ مستقرٌّ عندهم، وإنّما افتقارهم إلى بيان مرادات الشارع منهم.

ولذا فقد أنكر هذا الوجه الّذي ذهب إليه الكرماني، غيرُ واحد من أهل العلم (١)، وجعلوا بيانه - صلى الله عليه وسلم - للإيمان من باب بيان الحقائق الشّرعية، فالإيمان تختلفُ دلالته بحسب التقييد والإطلاق، وهذا هو مُحصَّل النّظر في دلائل الكتاب والسُّنّة، فهو عند الإِفراد يكون عامًّا لِمَعْنَيَيَنِ إِيمان الباطن، وإيمان الظاهر، وعند التقييد كما في حديث سؤال جبريل - عليه السلام -، يطلق الإيمان ويُراد به مافي القلب من تصديق القلب وأعماله كالخشية، والمحبة، والتصديق، وغير ذلك. ويراد بالإسلام حينئذٍ الأعمال الظاهرة (٢) .

و الغلطُ نفْسُهُ وقع فيه الحافظُ ابن حجر - رحمه الله - فجعل جوابَ النبي - صلى الله عليه وسلم - جوابًا عن متعلقات الإيمان، لا عن معنى لفظه، وإلاّ كان المنبغي أن تكون صورة الجواب بأن الإيمان هو: التصديق! (٣)

بل ترى القسطلاني يحاكم أَقوال رسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ما تقرر اشتراطه في الحد المنطقي، حيث جعل قول جبريل - عليه السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد بيانه للإيمان-: (صدقت) = مراعاة منه للحدِّ المنطقي حيث قال: (فإن قلت: لو كان حدًّا لم يقل جبريل - عليه السلام - في جوابه: (صدقت) كما في مسلم = لأنَّ الحد لا يقبل التصديق.


(١) انظر: "الفتوحات الوهبية" للشبرخيتي (١٤٧)
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥٥١)
(٣) "فتح الباري"لابن حجر (١/ ١٥٧) وقد تابعه على ذلك الإمام زكريا الأنصاريانظر: "منحة الباري" (١/ ٢٢٥)

<<  <   >  >>