فالآيةُ قسّمت أهلَ الإيمان من جهةِ التزامهم بالشريعة، وبأعمال الإيمان إلى ثلاثة مراتب: الظَّالم لنفسه، والمقتصد، و السَّابق للخيرات، وكلُّ مرتبة من هذه المراتب يتفاوت أهلها فيها تفاوتًا عظيمًا.
بل إنَّ المؤمنَ تختلف أحوالُه من حيثُ ديمومة تذكُّرِهِ، وخَشْيته، واستمراره على قَدَم الطَّاعة والاستقامة، فتعتوره الغفلةُ في بعض أَحواله، وينتابه التقصير، وفي بعض أحواله تزداد جَذوة الإيمان، فتتلازم شُعَبُ الطاعات، فإنَّ الطاعة تدل على أُختها، وهذا ما لاينكره إلا مُكابِر (١) .
فالإيمانُ ليس لزيادتِهِ حدٌ، وليس لنقصه حَدٌ كذلك، وبذا يُعلم بطلان من أَناطَ الزيادةَ والنَّقص بالأعمال فقط، فأوقع الزِّيادة والنَّقص فيها ومنع من وقوعها في أصل الإيمان وهو-التصديق- كما هو مذهب المرجئة.
وبه يُعلم أَيضًا بطلان من جعل حدًّا أَدنى للإيمان من لم يحققْه =انتفت عنه حقيقة الإيمان، ويجعلون ضابطَ هذا الحدّ الإتيان بجميع الفرائض، والكف عن جميع المحرمات، فإذا وقع الإخلال بهذين الأمرين، انتقض أصل الإيمان، وهذا ما التزمه الوعيدية.
وقد أبان شيخ الإسلام عن غلط هؤلاء من حيث جعلهم الإيمان حقيقة واحدة متماثلة في حق جميع المكلفين فقال - رحمه الله - (ليس الإيمان