للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقيقة واحدة مثل حقيقة مسمى "مسلم" في حق جميع المكلفين في جميع الأزمان بهذا الاعتبار مثل حقيقة البياض والسَّواد بل الإيمان والكفر يختلف باختلاف المكلف وبلوغ التكليف له، وبزوال الخطاب الذي به التكليف ونحو ذلك) (١)

ومنْعُ أهل السنة والجماعة من أن يكون للإيمان حَدٌ أَدنى لا يكون فيه تفاوت= لا يفهم منه تجويزهم أن يقوم بالعبد شعبة من شعب الكفر المُنافية لأصل الإيمان مع بقاء هذا الأصل=بل مُرادُهم أَنَّه يقع من النَّقْصِ بسبب الإخلال بما ليس شَرْطٌ في صحة الإيمان ما يجامع الإيمان، ولا ينتفي بانتفائه، فشعب الكفر الأصغر لاتنافي أصل الإيمان، وإنما تنافي كماله، وإنّما الّذي ينافي أصل الإيمان شُعب الكفر الأكبر، وسيأتي مزيد بسط لذلك.

ومما يدل على أنه ليس للإيمان حد يقف عنده النقص ما صحّ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أَن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من نَبيٍ بعثه الله في أمة قبلي، إلاّ كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) (٢)

لذا كان من فقه الإمام ابن مندة أَنْ بوّب لهذا الحديث بابًا وسَمَه بـ (ذكرُ خبر يدلُّ على أَنَّ الإيمان ينقص حتى لا يبقى في قلب العبد مثقال حبة خردل ... (٣)


(١) "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥١٨)
(٢) تقدم تخريجه في المطلب الأوَّل.
(٣) "كتاب الإيمان" لابن مندة (١/ ٣٤٥) وابن مندة (٣١٠ - ٣٩٥ هـ):هو محمد بن إسحاق بن محمد بن يحي، المعروف بـ=ابن مندة، أبوعبدالله العبدي الأصفهاني، أحد الأئمة الحُفَّاظ، من مؤلفاته: "التوحيد"،و"الصفات"، و"معرفة الصحابة"=انظر: "السير" (١٧/ ٢٨)

<<  <   >  >>