الماهية، وبين اللَّوازم العرضية الخارجة =تحكمٌ لم يستطيعوا البرهنةَ عليه.
فتمثيل المناطقة "للعَرَض العام" -وهو باتفاقهم الكُلِّي الخَارج عن الماهيَّة- بـ (الماشي) بأنه لا يصلح جوابًا عن ماهيَّة الإِنسان في جواب "ما الإنسان"، بخلاف "النَّاطق" الذين يجعلونه من الذَّاتيَّات المميزة عندهم = دعوى لا دليل عليها، فكما أنَّ الماشي عندهم لا يدخل في الماهية لاشتراك غير الإنسان فيها؛ فكذلك الأمر بالنسبة "للناطق".
وكل ذلك مبني على تجريدات ذهنيّة لا برهان عليها.
وهذا التجريد الذهني وظّفوه على حقيقة الإيمان، فأخرجوا العمل منه بدعوى أنَّه ليس من مقومات الماهية وقَصَروا الإيمان على التصديق كما يذكره حتى الذين تصدوا لبيان أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدّوا الإيمان بأنه:(تصديقُ الرَّسولِ في كُلِّ ما عُلم مجيئُهُ به بالضَّرورةِ تصديقًا جَازمًا مطلقًا (١)
الوجه الثَّاني:
أَنّ ذلك مبنيٌ عندهم على إمكان تحقق الحقائقِ النَّوعيَّة في الخارج، وما ذكروه باطلٌ؛ فإنَّ الإيمان من جهة اتصاف المكلف به يختلف في الواقع من شخص لآخر وما ادعوه، مِن تَمَاثُلِ أَفْراد النَّوع في الماهيَّة مُجرد افتراض ذاتيّ ليس له أدنى تحقق في الخارج وفرق بين الوجود الذهني والوجودِ العَيني. فالوجود الكُليُّ في الخارج لا يكون إلَاّ متشخصًا مُتعينًّا لا يكونُ كُليًّا كما يظن هؤلاء؛ وإلَاّ لما صحَّ أن يكون كُليًّا.
(١) "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعَيْني (١/ ١٠٢) وانظر: "كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري" لمحمد الخضر الشنقيطي (١/ ٣٧٥)