للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخلو إما أن يكون التصديق المأمور به تصديقًا مُجرَّدًا مطلقًا بأي شيء، أو يكون تصديقًا مُقيدًا مَخْصوصًا.

فالأول: ينفونه ولا يلْتزمونه.

بقي الثاني: وهم يجعلونه تصديقًا بالله وبكل ما نطقت به الدَّلائل الشَّرعيّة من البعث والجنة والنار والملائكة وغير ذلك، وهذا لا شك خلاف اللغة، فإن مقتضى التصديق المطلق، لا يتعلق بالقلب فقط.

يقول الإمام محمد بن نصر المروزي (١): (وقد وجدنا العرب في لغتها تُسمي كل عمل حققت به عمل القلب واللسان تصديقًا، فيقول القائل: فلان يصدق فعله قوله = يعنون: يحقق قوله بفعله، أو يصدق سريرته علانيته، وفلان يكذب فعله قوله.

وقال الشاعر: ...

صدِّق القول بالفعال فإني ... لست أرضى بوصف قال، وقيل

ويقول العرب إذا حمل الرّجل على القوم في الحرب، فلم يرجع= قالوا: صدق الحملة، أي: حققها. أي: لم تقتصر دون أن يبلى. وإذا رجع، قيل: كذب الحملة) (٢)

ولا شك أنَّ المرجئة يقصرون هذا التصديق على القلب، لذا يجوزون أن يكون الإيمان تامًّا في القلب بلا عمل، وعلى ذا جرى اتفاقُهم (٣)،


(١) محمد بن نصر (٢٠٢ - ٢٩٤ هـ) هو: ابن الحجاج المروزي، أَبو عبدالله، إمام مجتهدٌ من أعلم أهل زمانه باختلاف الصَّحابة والتَّابعين، قال عنه ابن حزم: " فلو قال قائل إنّه ليس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث، ولا لأصحابه إلاّ وهو عند محمد بن نصر=ما بعُد عن الصدق"من مؤلفاته: "تعظيم قدر الصلاة"،و"رفع اليدين"=انظر: "السير" (١٤/ ٣٣)، و"الرِّسالة الباهرة"لابن حزم (٤٦) .
(٢) "تعظيم قدر الصلاة"للإمام محمد بن نصر (٢/ ٧٢٦) وانظر: تهذيب الآثار للطبري (٢/ ٦٨٥ - ٦٨٨=مسند ابن عبّاس)
(٣) انظر: "أبكار الأفكار" للآمدي (٥/ ٩ - وما بعدها)، و"الإرشاد" للجويني (٣٩٧ - ٣٩٨) = =أصول الدين" للبزدوي (١٥١ - ١٥٢)، "وقواعد العقائد" للغزالي (٢٤٩)، و"شرح جوهرة التوحيد" (٢٤ - وما بعدها)، و"المسامرة شرح المسايرة" (٣٠٦)، و"محصل أفكار المتقدمين" للرَّازي (٥٦٧)، "وكبرى اليقينيات الكونية" للبوطي (٢٤٠)

<<  <   >  >>