للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجعلون الأعمال ثمرة من ثمرات الإيمان لا أنَّه جزء منه= وقصر التصديق على ما في القلب خلاف ما دلَّ عليه اللسان، فاللُّغة لا تقصر التصديق على أمر مخصوص، فإذا حادوا، ... وقالوا: الشَّريعة هي التي أَبانت عن صفة هذا التصديق.

فيقال: هذا حقٌ، لكن الشريعة لم تقصر هذا التصديق على القلب فقط، بل جعلت عمل القلب تصديقًا، وقول اللسان تصديقًا (١)؛ ودليل ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ الله كتبَ على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العين النظر، وزنى اللسان النُّطق والنَّفس تتمنى وتشتهي، والفرْجُ يصدِّق ذلك ويُكذبه) (٢)

لذا قال الحسن البصري: (إنَّ الإيمان ليس بالتَّحلِّي ولا بالتَّمنِّي، إنَّ الإيمان ما وقر في القلب وصَدَّقه العمل) (٣)

ثمّ على افتراض أن الإيمان هو التصديق، فإنَّ التصديقَ التامَّ في القلب، يستلزم لما وجب من أعمال الجوارح، وهذه اللَّوازم صارت داخلةً في مسمى الإيمان عند الإطلاق؛ لأنَّ انتفاءَ اللازم دليلٌ على انتفاء الملزوم. يقول شيخ الإِسلام مُبينًا العلاقة بين الظاهر والباطن: (وإذا كان القلب فيه تصديق للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومحبة تامة له = فلا بد أن يظهر ذلك على الجسد، فإن الإرادة الجازمة مع وجود القدرة، تستلزم وجود المقدور،


(١) انظر: " الفصل"لابن حزم (٣/ ٢٢٨ - ٢٢٩)
(٢) أخرجه البخاري في كتاب "الاستئذان"،باب "زنى الجوارح دون الفرج" (١٣٢٢ - رقم= = [٦٢٤٢])، ومسلم في كتاب"القدر"باب "قُدِّر على ابن آدم حظّه من الزِّنى" (٤/ ٢٠٤٦ - رقم [٢٦٥٧])
(٣) رواه ابن أَبي شيبة في المُصنَّف (١٢/ ٣٦٣ - رقم [٣٦٢٢٠])

<<  <   >  >>