للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمحبة الجازمة تتضمن الإرادة الجازمة لتعظيم الرسول وتوقيره، فإذا كان قادرًا على ذلك=امتنع أن يصدر منه موالاة من عادى الرسول - صلى الله عليه وسلم - =فكيف يصدر منه شتمه، وضربه، وقتله طائعًا غير مكره؟) (١)

لذا كانت من اللوازم الباطلة التي تلزم المرجئة الذين جعلوا الإيمان مجرد التصديق القلبي، أَنَّ ما كان خلاف كفر التكذيب الذي هو نقيض التصديق من أنواع الكفر العملي =لا يُخْرج من الملة، فمن سجد لصنم، أَو رمى المصحف في الحُشِّ، أو قتل نبيًّا =فإنَّه لا يكفر؛ لأنه قد أتى بالإيمان المُنجي.

ولذا يقول الإمام أحمد مُشنِّعًا على المرجئة: (ويلزمه أن يقول: هو مؤمن بإقراره، وإن أقرّ بالزكاة في الجملة، ولم يجد في مئتي درهم خمسة، أنه مؤمن، فيلزمه أن يقول إذا أقرّ ثم شد الزنّار في وسطه، وصلى للصليب، وأتى الكنائس والبِيَع، وعمل الكبائر كلَّها إلا أنَّه في ذلك مُقر بالله = فيلزمه أن يكون عنده مؤمنًا , وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم) (٢)

فالتلازم بين الظاهر والباطن أَمرٌ يشهد له النَّقل والحسُّ: (فلا يتصور في العادةِ أَنَّ رجلًا يكون مؤمنًا بقلبه، مقرًا بأن الله أوجب عليه الصلاة ملتزمًا لشريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به يأمره ولي الأمر بالصلاة = فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمنًا في الباطن قطّ، لا يكون إلا كافرًا ... ) (٣)

ولمَّا التزم المرجئة بأن الإيمانَ هو التصديق، وهذا التصديق خصلة واحدة لا تتفاوت = كان لازم قولهم وقوع التساوي حينئذ بين إيمان


(١) "جامع المسائل"للإمام ابن تيميَّة (٢٤٧ = المجموعة الخامسة) وانظر: "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥٤١ - ٥٤٣، ٥٥٣ - ٥٦٢)
(٢) نقلاً عن "الإيمان" لابن تيمية (٣١٤)
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ٦١٥ - ٦١٦)

<<  <   >  >>