للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيمان الفاسق وأفجر الناس، وهذا اللازم من اللَّوازم الشنيعة التي اشتد نكير الأئمة له (١)، ومعلوم فساد هذا عند آحاد المسلمين وعوامهم، فضلًا عن خاصتهم وعلمائهم.

فلم يجد المرجئة مخرجًا من شنعة هذا اللازم، إلَاّ بإحداث معنى جديدٍ للتفاوت غير التفاوت الحاصل في حقيقته، وقد سبق بيان طرف من أقاويلهم في وجه تفاوت الإيمان عندهم، ولكن، أَعْرِضُ لإحدى هذه التخريجات، وهو ما ذهب إليه الجويني - رحمه الله - في بيان المخلص من هذا اللازم، حيث قال: (أصلكم يُلزمكم أن يكون إيمانُ منهمكٍ في فسقه، كإيمان النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قلنا: النبي - صلى الله عليه وسلم - يَفْضل من عداه باستمرار تصديقه، وعصمة الله إياه من مخامرة الشكوك، واختلاج الريب، والتصديق عَرض لا يبقى، وهو متوالٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ثابت لغيره في بعض الأوقات زائل عنه في أوقات الفترات، فيثبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعداد من التصديق، لا يثبت لغيره إلَّا بعضها، فيكون إيمانه بذلك أكثر فلو وصف الإيمان بالزيادة والنقصان، وأريد بذلك ما ذكرناه = لكان كلامًا مستقيمًا) (٢)

فالجويني جعل مناط التفاوت بين إيمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيمان الفاسق، ما يرجع إلى كثرة التصديقات، وأمَّا ذات التصديق، وحقيقته فلا يقع فيه التفاوت= وبناءً على ذلك ما استطاع الجويني التخلُّص من ورطة اللازم الذي أُوردَ عليهم، بل إنَّ الإِشكال ما زال قائمًا بل هو وقع في إشكال آخر، إذ التسوية لم تنتف بين حقيقة تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتصديق الفاسق، فحقيقة الإيمان على قولهم واحدة، والاختلاف إنما هو في الكمية، والعدد =وفساد ذلك ظاهر.


(١) انظر: الإيمان لأبي عبيد (٧٠ - ٧١)
(٢) "الإرشاد"للجويني (٣٩٩ - ٤٠٠)

<<  <   >  >>