للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإِشكالُ الآخَرُ جَعْلُه إيمانَ غير النبي - صلى الله عليه وسلم - زائلًا في بعض الفترات، ومقتضى ذلك أنه بانتفاء الإيمان والحالة هذه يحلُّ مقابله وهو الكفر، فكما أنه يستحيل الجمع بين النقيضين فإنّه أَيضًا يستحيل ارتفاع النقيضين.

وما سلف هو على فَرضِ صِحَّةِ تقسيم الكلام إلى حقيقةٍ ومجاز، كيف وقد نازع في صحته جمهرةٌ من أهل العلم (١) .

فإذا تبين سقوط احتجاجهم بالمجاز = بان لنا بطلان دعواهم في:

القضية الثانية: دعواهم أن حديث الشعب لا يدلُّ صراحة على أن الأعمال من الإيمان.

فيقال: بل إنَّ حديث الشُّعَبِ من الأدلة الظَّاهرةِ على أن الأعمال من الإيمان بيان ذلك: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَّرَ الإيمانَ بأَنَّه عِبارة عن جُمْلة من الأجزاء والخصال المُتفاوتةِ درجة ونوعًا؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) وهذه الشُّعَب منها ما هو عمل ظاهر، ومنها ماهو من الأعمال الباطنة مع قول القلب، والحديث أشار إلى بعض ما تضمنته هذه الشُّعب من الأعمال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق، والحياء شعبة من الإيمان) (٢) وتلك الشُّعب الظاهرة والباطنة مَشمولة بهذا اللفظ، ومندرجة تحت مُسَمَّاه، وإلَاّ لما كان لهذا التبيان مِن معنى، كما لو قلت: الصلاة أجزاء وشعب ومن شعبها التكبير، والقيام، والركوع =لم يفهم من هذا التفسير إلاّ كون هذه الأمور داخلة في مُسمَّى اللفظ؛ وهذا معلوم بداهة.


(١) وممن مَنع من وقوعه في القرآن جماعة كأبي الحسن الجزري، وأبي عبدالله بن حامد وأبي الفضل التميمي، ومحمد ابن خويز بن منداد، ومنذر بن سعيد البلوطي، بل أنكر وقوعه= =في اللغة جُملةً= الإمام أبو إسحاق الإسفرايني انظر: "المصدر السابق" (٧٥)
(٢) سبق تخريجه في المطلب الأَوَّل

<<  <   >  >>