للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القضية الثالثة: وهي دعوى أَنَّ القرآن ليس فيه تصريح بدخول العمل في الإيمان.

فتصوُّر هذا القول يغني عن إفساده، ومع ذا يقال: بل القرآن قد وقع فيه التصريح بذلك.

فقد قال المولى جل وعلا {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧)} النور. والتولي إنما هو عن الطَّاعةِ، (فَنَفَى الإيمانَ عمَّن تولى عن العمل، وإن كان أتى بالقول) (١)

-وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} الأنفال

فهذه الآيات من أعظم الدَّلائل على أنّ الأعمال داخلةٌ في مُسمَّى الإيمان.

يقول الإمام أبو عُبيد - رحمه الله -: (ومما يصدق تفاضله بالأعمال قول الله جل ثناؤه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)} [الأنفال]، إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا (٤)} [الأنفال] فلم يجعلِ الإيمان حقيقة إلا بالعمل بهذه الشروط. والذي يزعم أنَّه بالقول خاصًّة يجعله مؤمنًا وإن لم يكن هناك عمل فهو مُعاندٌ لكتاب الله والسُّنَّة) (٢)

ومن الدّلائل القُرآنيةِ المصرحة بدخول الأعمال في مسمى الإيمان الناقضة لقول المرجئة: قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)} البقرة.


(١) "الإيمان" لابن تيمية (١١٥)
(٢) "الإيمان"للإمام أَبي عُبيد (٦٥) وأبوعبيد (١٥٧ - ٢٢٤ هـ):هو القاسم بن سلَاّم الهروي الأزدي الخُزاعي بالولاء، الخُرساني الأصل البغدادي، إمام مجتهد ذو فنون، من تصانيفه: "غريب الحديث"،و"الطهور"=انظر: "السِّير" (١٠/ ٤٩٠)

<<  <   >  >>