للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفسيرها: (الذين ارتضى لهم شهادة أن لا إله إلا الله) (١)

ومما يدل على هذا الشرط من السنة: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه) (٢)

فإذا انتفى عن الشفاعة هذان القيدان؛ فإنها حينئذٍ تندرج تحت الشفاعة الملغاة شَرعًا. وهذه الشفاعة الشركية هي التي تعلق بها أَهل الإشراك، وحقيقتها = اعتقادهم أَن للشافع حقًّا يستوجب به على الله شيئًا؛ من جنس ما يستحق به الشفعاء على الملوك والمعظمين في الدنيا، فيجيبونهم إلى طِلبتهم؛ لحاجةٍ إليهم، إمّا رغبةً، أو رهبةً. فتكون إرادة الشافع بهذا المعنى مُقيدةً لإرادة الخالق ومشيئته. وتصوُّر هذا المعنى كافٍ في رَدِّه؛ لذا حَسَم الله مادة التعلق بغيره بإبانته عن تمام ملكه لها.

وهذه الشفاعة المنفية شُحِن القرآن بذكرها؛ كما قال تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} غافر: ١٨ وقوله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} المدثر. والآيات في هذا المعنى لا يفي المقام بذكرها.

وأمَّا إثبات القرآن للشفاعة بما هو دون التصريح، فقول الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)} المدثر: ٤٨ فإنه لما نفى نفع شفاعة الشفعاء عن أهل الإشراك = دلّ ذلك على أَنَّ هناك شفعاءَ يُنتفع بشفاعتهم - بإذن الله - فيمن كان متّصفًا بالإخلاص، مُفارِقًا للشرك. يقول


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٧/ ١٣) من طريق علي بن أبي طلحة به.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>