والعجيب حقًّا أنَّ المعتزلة تختزل الشَّفاعة في زيادة المثوبات ورفعة الدَّرجات، مع كون ذلك مما يناقض مذهبهم الَّذي يقضي بأنَّ دخول الجنَّة مُستحقٌّ بالعمل لا برحمة الله تعالى لئلا يوجب ذلك تنغيص النعمة بوقوع المِنّة من الله بذلك! =و مكمن هذا التناقض لدى المعتزلة؛ أن زيادة المَثوبات، ورِفعة الدَّرجات، مِنَّة من الله يوجب تنغيص النِّعمة على أَهلها؛ فيلزم على ذلك تَرك سؤالها من الله، وهذا مخالف لإجماع المُسلمين.
فتحرّر ممَّا سبق=أنَّ إثباتَ الشَّفاعةِ لا يستلزم ما ذكروه، ومَنْ عَلِم أنّ القطْع بكونه ممن يناله العفو قبل دخول النار متعذّر، وأنّ من الشفاعة ما يكون من النار بعد دخولها = حمله ذلك عن الانْزجار عن ركوب المحارم. فإذا انضاف إلى ذلك ما يترتب عليها في الدُّنيا والبَرْزخ من المؤاخذة والجزاء = كان ذلك له من أَعظم الصوارف عن الذنوب.
وبعد بيان سُقوط هذه المُعارضات؛ يبقى النظر في مَسَالك المخالفين مع تلك النصوص، بعد أنْ أَبَوْا التسليم لما دلت عليه.
فأمَّا المَسْلَكُ الأول: وهو رَدّها بدعوى كونها مضطربة لا تصح، أو أنها أخبار آحاد لا تُقبل. فيقال:
ليس بين صحيح تلك الأحاديث اضطراب وتعارض، ولم ينصّ على ذلك أَحد من أئمة هذا الشأن. وأما اختلاف نصوص الشفاعة لاختلاف متعلقاتها = فلا يُعدّ اضطرابًا؛ لأنّ اختلاف التنوع مقبول سائغ، لا اختلاف التضادّ.
وأما دعوى أنها أخبار الآحاد لا تُقبل = فغير سديد؛ لأن هذه النصوص قد استفاضت وتواترات. وقد نَصّ على ذلك غيرُ واحد من الأئمة الحفاظ:
كالقاضي عياض - رحمه الله - حيث قال: (قد جاءت الآثارُ التي بلَغَتْ