الرجاء على عموم متعلق الخوف = كان تقديم الأوّل أوْلى؛ لتعدد الشواهد عليه (١) كقوله تعالى: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (٥٥)} الحجر. وقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} الممتحنة: ٦ وقوله تعالى: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤)} المائدة: ٨٤ والبراهين على هذا التقديم لا يفي المقام ببيانها.
وأما جواب المعارض الخامس: فيقال: إنَّ ما ذكروه من اللزوم كاذب؛ لعدم صدق الرَّابط بين المُقدِّمة ونتيجتها؛ فالشَّفاعة ليست مقصورة على المُذنبين، بل إنَّها -كما سبق -قد تكون لتخفيف الحِساب ورِفْعة الدَّرجات، هذا مِن جِهةٍ.
ومن جِهة ثانية: فإنَّه من المعلوم تجْويز الوعيدية طلب المغفرة والرحمة من الله؛ وهذا مما لا يُخالفهم فيه أَهلُ السُّنَّة؛ فيلْزمهم على هذا التجويز: أن يكون طلب المغفرة والرَّحمةِ من الله تعالى، هو في حقيقة الأمر= دعاءً بأن يكون الطالب للمغفرة والرَّحمةِ مِن العصاة المُجْرمين؛ ليصح دعاؤه!.فما كان جوابهم عن هذا اللازم كان جواب مخالفيهم من أهل السُّنَّة لهم عما أوردوه سواء بسواء.
ثُمَّ إنّه يقال: ما من عبدٍ إلَّا والتقصير في حقِّ ربِّه تعالى يحيط به مِن كُلِّ جانب مهما بالغ في التحوط وإِحراز الكمال؛ فهو مُفتقِرٌ إلى عَفو خالقه ومولاه، مُشْفِقٌ أَن يكون مِن الهالكين؛ ومن ادَّعى سلامته من الذَّنب حال سؤاله الشَّفاعةَ=فإنَّه لا يمكنه أن يدَّعي الحِفْظَ من المُقارفة للمعاصي فيما يستأْنِف من الوقت. وعليه فطلب الشَّفاعة بهذا المعنى غير منكور لمن عرف طبيعة البشر.