للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أنّه جاءَ مصرّحًا بالنَّهي في الرِّواية الأُخرى: (لا تشدّوا) كما سبق.

الثاني: أَنَّ الحديثَ فَهم منه الصحابةُ - رضوان الله عليهم - التحريمَ والمنعَ؛ كما سيأتي بيانه - بحول الله تعالى -.

ومما يكشف أَنَّ النَّهي في الحديث المرادُ به التحريم لا غير = ورود النَّهي - في إحدى طُرق حديث أبي سعيد - عن شدّ الرحال مُقْتَرِنًا بالنِّهي عن ثلاثة أمور أُخَر قد عُلم تحريمُها في الشَّرعِ؛ وهي:

سفر المرأة بغير محرم، وصوم يومي الفطر والأَضحى، والصلاة بعد الصبح والعصر (١) =فدلَّ على أَنَّ شَدَّ الرِّحال آخذٌ حُكمها.

فتخصيص شدّ الرحل إلى غير هذه المساجدِ الثلاثةِ بالتنزيه دون الباقي = لا شكّ أنّه لا مسوّغ له، والحديث يدفعه. (٢)

ثم إنّه يقال: إذا قيل بامتناع النهي وأنّ معنى الحديث: أنّه لا يُشرع، وليس بواجب، ولا مستحبّ؛ فيقال: لا ريب أنّ من أنشأ السَّفر، وشدَّ الرحال إلى تلك القبور أو البقاع؛ إنما قصد العبادة بفعله، والعبادة إنما تتحصَّل بواجب أو مستحبّ؛ فإذا حصل الاتفاق على أَنَّ السفر إلى القبور ليس بواجبٍ ولا مستحب = كان مَن فعلَه على وجه التعبُّد مبتدعًا مخالِفًا للإجماع، والتعبُّد بالبِدَع ليس بمباح. (٣)

بقي أن يقال: إن دلالة النهي تشمل جميع ما يقع في حيّزها من المواضع والبقاع التي تُقصد للعبادة، وهذا الشمول يدلّ عليه القصر


(١) سبق سوقه في المطلب الأول.
(٢) انظر: " الثمر المستطاب " للعلامة محمد ناصر الدين الألباني (٢/ ٥٦٢)
(٣) انظر: "الصَّارم المُنكِي" لابن عبد الهادي (٣٤)

<<  <   >  >>