للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

= وهذا التقدير لا بدّ منه، ولولم يكن التقدير هكذا لاقتضى منْع شدّ الرحال للحجّ، والجهاد، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا، وغير ذلك؛ ولا يقول بذلك أحدٌ) (١)

وهو كما قال: لا يقول بهذا أحد. ولا يِرِدُ هذا اللازم على مَنْ سلّم بعموم الحديث؛ ذلك أن هذه المصالح الديني منها والدنيوي، لا يُقصَد فيها مكانٌ بعينه، وإنّما مرام أصحابها ذلك المطلوب حيث كان صاحبه؛ وبه يندفع هذا اللازم.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد ... ) يتناول المنع من السفر إلى كلّ بقعةٍ مقصودةٍ؛ بخلاف السفر للتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك؛ فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله؛ فإنه هو المقصود حيث كان (٢) .

وكذلك يُعلَم خطأُ مَن جعل القصْر الواردة في الحديث إضافيًا لا حقيقيًا؛ أي: قَصَر النهي عن شدّ الرحال على أيّ مسجدٍ سوى المساجد الثلاثة المتقدّم ذكرُها في الحديث دون غيرها من المواضع؛ فهو ليس قصْرًا حقيقيًا عامًّا؛ بل منحصرٌ في حيّز المساجد فقط.

فترى " يوسف الدجوي " يقول ناثرًا سخائمه على شيخ الإسلام - رحمه الله - -إِيهامًا منه أنه هو المتفرّد بهذا القول-: (ولْنرجعْ إلى مَن قبلهم من رؤسائهم وأئمتهم، لنرى إمامهم (٣) ابن تيمية الذي قدّموه على جميع


(١) الدرر السَّنِيّة في الرّد على الوهابية (٦)، وأَحمد زيني دحلان (١٢٣٢ - ١٣٠٤ هـ):هو أحد فقهاء ومؤرخي مكة، ولد بمكة وتولى الإفتاء والتدريس، توفي بالمدينة، من تصانيفه: "خلاصة الكلام في أُمراء البلد الحرام"،و"السيرة النبوية"=انظر: "الأعلام"للزركلي (١/ ١٢٩ - ١٣٠)
(٢) "مجموع الفتاوى"لابن تيمية (٢٧/ ٢١) وانظر: له أيضاً: " قاعدة عظيمة " (٩٤)
(٣) يعرّض بأتباع الدعوة الإصلاحية السلفية

<<  <   >  >>