وفي رواية أخرى للبخاري: أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: (مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، يخيل إليه أنَّه يأتي أهله، ولا يأتي. قالت عائشة: فقال لي ذات يوم: (يا عائشة، إنَّ الله تعالى أفتاني في أَمر استفتيته فيه: أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي:
فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي: مابال الرجل؟
قال: مطبوب -يعني: مسحورًا-.
قال: من طبَّه؟
قال: لَبيد بن الأعصم
قال: وفيم؟
قال: في جُفِّ طلعةٍ ذَكَر في مُشْط، ومشاطة تحت رعوفة في بئر ذروان.
فجاء النبي فقال: (هذه البئر التي أُريتها كأنَّ رؤس نخلها رؤس الشياطين، وكأن ماءها نُقاعة الحناء) فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأُخرِج. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، فهلَاّ تنشرت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمَّا اللهُ فقد شفاني، وأمَّا أنا فأكرهُ أن أثير على الناس شرًّا) قالت: ولبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود (١) .
* ** *
تمهيد:
دلَّت الأحاديث المتقدِّمة على جُمْلةٍ من المسائل:
أُولاها: أنَّ للسِّحر تحقّقًّا وجوديًا، وأنَّ منه ما يُمرضُ، ومنه ما
(١) أخرجه البخاري في: كتاب "الأدب" باب "قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (١٢٨٨ - رقم [٦٠٦٣])