للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيءٌ موجودٌ له حقيقة تكونُ سببًا للتفريقِ بين الرِّجُلِ وامرأته، وقد عبّر الله عنه بـ "ما" الموصولة، وهي تدلُّ على أَنَّه شيءٌ له وجودٌ حقيقيٌ) (١)

ومن الأَوجه المستفادة من هذه الآية على ثبوت حقيقة السِّحر، وأَنَّ له أَثرًا، أَنَّ الله قال: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} والاستثناءُ دليل على حصول الآثار بسببه (٢)

ومن الأدلة التي استدلّوا بها أَيضًا:

- قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} الفلق

ووجه الاستدلال بهذه الآية =هو أَمْرُ اللهِ لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة بالله من شرِّ النَّفّاثات، وسواء كان المقصود بالنِّفاثات: السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن، أَو كان المقصود الأنفس الخبيثة (٣)؛ فلولا أنَّ للسِّحر حقيقةً لما أَمر الله نبيَّه بالاستعاذة منها، يقول الإمام ابن قيِّم الجوزية: (وقوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} دليلٌ على أَنَّ هذا النَّفث يَضرُّ المسحور في حال غَيْبته عنه، ولو كان الضَّرر لا يحصُلُ إِلاّ بمباشرةِ البدن ظَاهرًا -كما يقوله هؤلاء- =لم يكن للنَّفث، ولا للنِّفاثات شَرٌّ يُستعاذ منه) (٤)

وقد اتّفق أَهلُ التّفسير على أنَّ سبب نزول سورة "الفلق " ما كان من سحر لبيد بن الأعصم للنبي - صلى الله عليه وسلم -. (٥)

وفي بيان جواز إصابة الأنبياء بالسِّحر، يقول الإمام الخَطَّابيّ - رحمه الله -: ( ... الأنبياء صلوات الله عليهم يجوزُ عليهم من الأَعراضِ والعللِ ما


(١) "أَضواء البيان " (٤/ ٥٤٦)
(٢) انظر "التفسير الكبير "للرَّازي (١/ ٦٢٦)
(٣) كما هو استظهار الإمام ابن القيِّم -رحمه الله-، انظر "بدائع الفوائد" (٢/ ٧٣٦)
(٤) "بدائع الفوائد" (٢/ ٧٤٦)
(٥) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٢/ ٤٦)، "معاني القرآن" للفرَّاء (٣/ ٣٠١)، "أَسباب نزول القرآن" للواحدي (٧٥٣)

<<  <   >  >>