يجوزُ على غيرهم، إلَاّ فيما خَصَّهمُ الله به من العِصمَةِ في أَمر الدِّين، الذي أَرصدهم له، وبعثهم به، وليس تأثير السِّحر في أبدانهم بأكثر من القتل، وتأثيرِ السُّمِّ والأَمراض وعوارض الأَسْقَامِ فيهم، وقد قُتِل زكريا وابنه يحي - عليه السلام -، وسُمَّ نَبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - في الشَّاةِ التي أُهْديت له بخيبر ... فلم يكن شيءٌ ممَّا ذكرنا قادِحًا في نُبَّوتهم، ولا دافعًا لِفضيلتهم وإِنَّما ابتلاء .. ولم يكن أحدٌ يلقى من عداوة الشَّيطان وكيده ما يلقاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخبر الله تبارك وتعالى في مُحْكَمِ كتابه أنَّ الشيطانَ يكيد الأنبياء أَشد الكيدِ، ويعرضُ لهم بأبلغ ما يكون من العنت، فقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الحج: ٥٢، أي في قراءته، كيدًا له، وتلْبِيسًا على أُمَّته .... فأمَّا ما يتعلَّقُ من أمره - صلى الله عليه وسلم - بالنُّبوَة، فقد عَصَمَه الله في ذلك، وحَرَسَ وحيه أن يَلْحَقهُ الفساد والتبديل، وإِنَّما كان يُخيَّل له من أنَّه يفعل الشيء ولا يفعله في أمر النّساء خُصوصًا، وفي إتيان أَهله قَصْرَة، إذا كان قد أُخذ عنهن بالسِّحر، دون ما سواه من أمر الدِّين والنُّبوَّةِ ...
فلا ضرر إذن مما لَحِقَه من السِّحر على نُبوَّته، ولا نقص فيما أَصابه منه على دينه وشريعته، والحمد لله على ذلك) (١)
وقال أبو العبَّاس القرطبي - رحمه الله -: ( ... الأنبياءُ من البَشَر، وأنَّه يجوز عليهم من الأَمراضِ والآلام، والغضب، والضَّجَرِ، والعجْزِ، والسِّحر، والعين، وغير ذلك=ما يجوزُ على البَشَرِ، لكنَّهم معصومون عمَّا يُناقض دلالة المُعجِزة من معرفة الله تعالى، والصِّدقِ والعصْمَةِ من الغَلَطِ في التَّبليغ، وعن هذا المعنى عبَّر الله تعالى بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى (١١٠)} الكهف من حيثُ البَشَريَّةِ يجوزُ عليهم ما يجوز عليهم، ومن
(١) "أعلام الحديث" (٢/ ١٥٠١ - ١٥٠٤)، والخطَّابي (٣١٩ - ٣٨٨ هـ): حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطَّاب القُرشي العدوي البُستي، كان فقيهًا أديبًا، من تصانيفه: "غريب الحديث"، و"معالم= السُّنن".انظر: "مسالك الأبصار" (٥/ ٤٥٣)