للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ثبت عدم عصمته من الأذى، فإن السحر مندرج تحت مسماه بلا شك.

وعلى فرض تقدير المحذوف هو الأذى، وأنَّ الله عَصَمه من أَذى النَّاس فإنّه يُحمل على أَذى مَشروط، وهو الأَذى المانع من التبليغ، لا مُطلق الأَذى كما اختاره المحققون من أهل التفسير (١)، ويكون ما ثبت في الحديث مخصِّصًا للآية (٢)، والآية كما اختار ابن كثير مدنية، وهي من أَوَاخر ما نَزَلَ على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتكونُ حادثةُ السِّحرِ فيما يظهر-والله أعلم- قبل نزولها فلا تعارض حينئذ؛ لأنَّ بعد نزول الآية عصمه الله من السحر ومن غير ذلك من صُنُوفِ الأَذى، وأمَّا قبل ذلك فلا.

وإن كان المقدَّر هو العصمة من " القتل" كما هو اختيار بعض أَهل التَّفسير (٣) فحينئذ انْتقضت معارضتهم الحديث بالآية هذا من جهةٍ، ومن جهة أخرى مما يدلُّ على عدم قَطعيَّة دلالة هذه الآية أنَّ الله تعالى، ذكر أَنَّ نبيَّه معصوم من النَّاس، ولفظ " الناس"حسبما تقرَّر في الأُصول من أَلفَاظ العموم (٤)، ودَلالةُ العامِّ على أَفرادهِ ظنيَّة، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣)} آل عمران: ١٧٣. ومن المعلوم أَنَّ لفظ " الناس" أريد به في الآية نعيم بن مسعود الأشجعي - رضي الله عنه -. وقيل غيره (٥) وعلى كُلٍّ فليس المقصود به قطعًا جميع الناس.


(١) انظر: "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (٢/ ٩٢)، وبدائع الفوائد (٣/ ١١٧٤) وبه يُعلمُ عدم صواب ما اختاره الإمام ابن عطيَّة الأَندلسي - رحمه الله - حيثُ جعل مدار العصمة على القتل والأذى اللاحق بجسمه - صلى الله عليه وسلم -، دون أَقوال الكُفّار فيه بالقَصْبِ والشَّتم =وهذا خلاف ما صحَّ في السِّير من إلحاقهم الأذى ببدنه - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) انظر: "دفاع عن الصحيحين" للحَجْوي (١١٢)
(٣) كالزَّمخشري. انظر: "الكشَّاف" (٣٠١)
(٤) انظر: " البحر المحيط" للزركشي (٣/ ٩٥)، و"إرشاد الفحول " للشَّوكاني (١/ ٤٦٠)
(٥) انظر "زاد المسير"لابن الجوزي (٢٤١)

<<  <   >  >>