للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا (النَّاس) في الموضع الثَّاني مراد به خصوص كفار مكة، (لا جميع النَّاس في أقطار الأرض ولو أنَّنا حملنا "الناس" على جميع الناس لكان أوَّلُ الآية يدفع آخرها، فلو كان جميع الناس قالوا هذا القول فمن هم المَقول لهم. فتأْويلُها على بعضِ النَّاسِ هو المُتعيِّن) (١)

وعلى ذلك يتأتي الجمع بين الآية والحديث، بأن يقال: الآية من العام الذي أُريد به الخصوص، فيُستثنى منها ما قام به لبيد بن الأَعصم من سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأمَّا الجواب عن قولهم: إنَّ السحر من عمل الشيطان وأَثَر من آثار النُّفوس الخَبيثةِ؛ فمحال أن يؤثِّر ذلك على جسد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

فيقال: ليس هناك دليلٌ من النَّقل أَو العقل يمنعُ من تسلّط الشيطان على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأَذى، كيف والدّليل على خلاف ما قرَّروه؛ فقد ثبت أنَّ الشيطان تفلّت بشهاب من نار يريد أن يرميه به وهو في الصلاة، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ألعنُك بلعنة الله) (٢)؛ بل هو الذي تسلَّط بالوسوسة على أبينا آدم - عليه السلام - حتى أَخرجَه من الجنَّة، كماقال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠)} الأعراف.

وقد تسلَّط على جسد نبي الله أَيُّوب فمرض، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)} ص.

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: (وهذا لا ينافي أَنَّ الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب؛ لأن التسليط على الأهل، والمال، والجسد من جِنْس الأَسباب التي تنشأ عنها الأعراضُ البشرية:


(١) "الدفاع عن الصحيحين"للحَجْوي (١١٣)
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب "المساجد "، باب "جواز لعن الشَّيطان أثناء الصلاة" (١/ ٣٨٥ - رقم [٥٤٢])

<<  <   >  >>