للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كالمرض، وذلك يقع للأنبياء فإنهم يصيبهم المرض، وموت الأهل وهلاك المال؛ لأسباب متنوعة، ولا مانع من أن يكون جملة تلك الأسباب: تسليط الشيطان على ذلك للابتلاء ... ) (١)

فإذا جاز تسلطه على نبي الله أَيوب - عليه السلام -؛ فما المانع من جواز تسلّطه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى هذا فتسلُّط الشيطان على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى نبي الله أَيوب - عليه السلام - ليس في العقل ما يمنعه وليس فيه غَضٌّ من منصب النبوة، والدَّلائل الشرعية تدل عليه إمَّا نَصًّا أَو ظاهرًا.

وأمَّا تأويل ابن عاشور - رحمه الله - لحديث عائشة بنفي أَن يكون لسحر لبيد أَثَر في المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّما غاية ما في الأمر مصادفة عمل لبيد لعارض ألمَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - =فظنّ النّاس أنّ سحره أثر فيه، وإلاّ لم يكن شيء من ذلك ألبتَّة!! =فهو تأويل متكلَّف ليس عليه أَثَارة من دليل.

وفي ذلك يقول: (وقد تمسّك جماعةٌ لإثبات تأثير هذا النوع من السِّحر .. وينبغي التَّثبُّت في عباراته ثمَّ في تأويله، ولا شكَّ أَنَّ لبيدًا حاول أَن يسحر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان اليهود سحَرَةٌ في المدينة، وأَنّ الله أطلع رسوله على ما فعله لبيد لتكون معجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في إِبطال سحر لبيد، وليعلم اليهود أَنَّه نبي لا تلحقه أَضْرارُهم، وكما لم يؤثِّر سِحر السّحرة على موسى= كذلك لم يؤثر سحر لبيد على رسول - صلى الله عليه وسلم -، وإِنَّما عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - عارضٌ جَسدي شفاء الله منه فصادف أَن كان مُقارنًا لما عمِله لبيد بن الأعصم من محاولة سحره، وكانت رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - إنباء من الله له بما صنع لبيد، والعبارة عن صورة تلك الرُّؤيا كانت مُجملة؛ فإنَّ الرَّأي رموز، ولم يَرد في الخبر تعبيرُ ما اشتملت عليه، فلا تكون أَصلًا لتفْصيل القصَّة) (٢) .


(١) "أَضواء البيان" (٤/ ٨٥٢)
(٢) "التحرير و التنوير " (١/ ٦٣٤)

<<  <   >  >>