الثَّالث: أَنّها لو كانت كذلك؛ لانْتفَت حكمة سَوق النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الرُّؤيا لعائشة رضي الله عنها، فلولا أَنَّها من قبيل الرؤى البيِّنة في نَفْسِها لمن سَمعها =لما قصَّها على عائشة رضي الله عنها دون تعبير لها.
هذا على فرضِ التسليم، بأَنَّ ما رآه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو من قبيل الرُّؤيا، لا اليقظة =وإلاّ فليس في الروايات -التي وقفتُ عليها- ما يثبت ذلك، بل لو قيل أَنّ ما رآه - صلى الله عليه وسلم - كان في اليقظة لَمَا بَعُدَ.
الرَّابع: أَن يقال: التأْويل فرع الإحالة والاستبعاد، وقد سبق بيان أليس في الحديث ما يستحيلُ عقلًا، أَو يمتنع شرْعًا؛ كيف وفي إِثبات ما تضمَّنه الحديث من الفرائد واللطائف، والعِبر، ما لا يتسنى إيراده في هذا المقام، فإذا انتفتِ الإحالةُ، وزال الامتناع =بطَل التأويلُ؛ إذ كلُّ فَرعٍ لا ينبعثُ من أَصْلٍ؛ فهو باطل.
الخامس: أَن يقال: إصابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسحر لبيد بن الأَعصم لا يخرجُ بحَسَبِ القِسْمَة العقليَّة الحاصرة عن أحد أمور ثلاثة: إمَّا الامتناع، أو الوجوب، أو الإمكان، فأمّا الامتناع فقد تبيّن فساده، وأمَّا الوجوب فلا يتأتَّى هنا، فلم يبق إلَاّ الإمكان، فمن أدخل ما هو ممكن في حيِّز الامتناع مع تقرر إمكانه؛ فهو مُبطل.
فتبيَّن بذلك وَهن التأويل الذي ذهب إليه ابن عاشور وغيره، وأَنَّ الحديث يدلُّ دلالة لا يعتورها غموض في بلوغ أَثر السِّحر إلى جسد النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتلاله-بأبي هو وأمي - - صلى الله عليه وسلم - من أَثَرِهِ.