للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحتجوا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات كلها في ذات الله قوله: (إني سقيم) وقوله: (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله في سارة "هي أختي)

وفي خبر آخر: (إن أهل الموقف إذا سألوا إبراهيم الشفاعة، قال: إني كذبت ثلاث كذبات) ثم قرروا قولهم من جهة العقل، وقالوا: "الكذب ليس قبيحًا لذاته، فإن النبي إذا هرب من ظالم، اختفى في دار إنسان، وجاء الظالم، وسأل عن حاله فإنه يجب الكذب فيه.

وإذا كان كذلك، فأي بُعدٍ في أن يأذن الله تعالى لمصلحةٍ لا يعرفها إلا هو.

واعلم أنَّ هذا القول مرغوبٌ عنه، وأمَّا الخبر الأول (١)، وهو الذي رووه فلأن يضاف الكذب إلى رواته أَوْلى من أَن يضاف إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والدليلُ القاطعُ عليه؛ أنَّه لو جاز أن يكذبوا لمصلحةٍ، ويأذن الله تعالى فيه = فليُجوَّز هذا الاحتمال في كلِّ ما أخبروا عنه، وفي كل ما أخبر الله تعالى عنه، وذلك يبطل الوثوق بالشرائع، وتَطرُّق التهمة إلى كلها.

فإن ذلك الخبر لو صَحَّ فهو محمول على المعاريض، على ما قال عليه السلام: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) فأما قوله: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ (٦٣)} الأنبياء فقد ظهر الجواب عنه ... وأما في قوله في سارة "إنَّها أختي" فالمراد أنها أخته في الدين إذا أمكن حمل الكلام على ظاهره في غير نسبة الكذب إلى الأنبياء عليهم السلام = فحينئذ لا يحكم بنسبة الكذب إليهم إلَاّ زنديق) (٢)


(١) يعني حديث أبي هريرة "لم يكذب إبراهيم ... " الَّذي تقدم إيراده في المطلب الأوَّل.
(٢) "التفسير الكبير"للرَّازي (٢٢/ ١٨٥ - ١٨٦)

<<  <   >  >>