معنوية وإِنَّما فقأها بالحُجَّة = وهذان قولان لايلتفت إليهما لظهور فسادهما وخصوصًا الأوَّل؛ فإنَّه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياءُ من صور الملائكة لا حقيقة له، وهو قول باطل بالنُّصُوص المنقولة والأدلة المعقولة .. ) (١)
والذي يتوجّه: حمل كلام الإمام ابن قتيبة - رحمه الله - عليه هو كونه أراد أن موسى - عليه السلام - إِنَّما فقأ العين البشرية التي جاء الملك متجسدًا فيها؛ لأنَّ كلام أهل العلم ينبغي أن يحمل على أحسن محامله، إن كان الكلام يحتمل ذلك. وإن كانت مادة الإِشكال لم تَزل باقية بهذا التَّوجيه؛ إذ حتَّى لو سُلِّم بأنَّ العين التي فقأها موسى - عليه السلام - هي العين المُتخيَّلة لا الحقيقية =فإنَّه يبقى تحريرُ الإِشكالِ لصدور ذلك منه مُرْسَلًا لم يحظَ بجواب يَحسمه.
القول الثالث: أن موسى - عليه السلام - خَفِي عليه أنَّ الذي جاءه هو ملك الموت، والأنبياء قد يخفى عليهم مثل ذلك فإبراهيمُ الخليل - عليه السلام -، جاءه ملائكة الله فحسب أنهم ضيوف من الإنس، ومما يدل على ذلك مجيئه إليهم {بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠)} هود.
وهذا نبي الله لوط - عليه السلام - لم يتبين له بادئ الأمر أنَّهم ملائكة الله، فقال لقومه {يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)} هود.
وهذا نبي الله داود - عليه السلام - أصغى إلى الملائكة الذين دخلوا عليه فظن أنهم بشر، ولم يكن يعلم حقيقةَ أَمرهم {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى