للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"القاضي عياض" (١)، ومن المتأخرين "القاضي محمد العلوي" (٢) .

يقول الإمام ابن حبان: (إنّ الله جل وعلا بعثَ رسولَ الله معلمًا لخلقهِ، فأنزل موضع الإبانة عن مراده، فبلغ رسالته، وبيَّن عن آياتهِ بألفاظٍ مُجْملةٍ ومُفسّرةٍ، عَقِلها عنه أَصحابُه، أو بعضهم، وهذا الخبر من الأَخبار التي يُدرك معناه من لم يحرمْ التوفيقَ لإصابة الحقّ، وذاك أنَّ الله جل وعلا أَرسلَ ملكُ الموت إلى موسى رسالةَ ابتلاءٍ واختبارٍ، وأَمَرَهُ أن يقول له: أَجب ربك أمرَ اختبارٍ وابتلاءٍ، لا أمرًا يريد الله جل وعلا إمضاءَهُ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه، بذبح ابنه أَمرَ اختبارٍ وابتلاءٍ دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءَه، فلما عَزم على ذبح ابنه وتلَّه للجبين فداه بالذبح العظيم.

وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها .. فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى - عليه السلام - عليها، وكان موسى غيورًا فرأى في داره رجلًا لم يعرفْهُ فَشَال يدهُ فلطَمَهُ، فَأتَتْ لطمتُهُ على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها، لا الصورة التي خلقه الله عليها.

ولما كان من شريعتنا: أنَّ من فقأ عين الدَّاخلِ داره بغير إذْنهِ، أو النَّاظرِ إلى بيتهِ بغير جُناحٍ على فاعله، و لا حَرَجَ على مرتكبه؛ للأخبار الجمَّةِ الواردة فيه ... كان جائزًا اتِّفاقُ هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل دار بغير إذنه فكان استعمالُ موسى هذا الفعل مباحًا له، و لا حرج عليه في فعله.


(١) المصدر السابق (٧/ ٣٥٣)
(٢) "توضيح طرق الرشاد"للعلوي (١٩٧ - وما بعدها) ومحمد العلوي (١٢٨٨ - ١٣٦٧ هـ): هو محمد بن أحمد بن إدريس بن الشريف العلوي، تولَّى القضاء عدة مرات بالقطر المغربي، من تصانيفه: "إتحاف النُّبهاءالأكياس بتحرير فائدة مناقشة الأوصياء"، و"تقييد على أوائل شرح البخاري"=انظر: "مقدمة تحقيق توضيح طرق الرشاد".

<<  <   >  >>