للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء -كما ذكرنا قبل- إذ قال الله له: قل له: إن شئتَ فضع يدك على متن ثور فَلَكَ بكلِّ ماغطت يدُكَ بكل شعرة سنة، فلمَّا عَلم موسى كليم الله أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله = طابت نفسُهُ بالموت، ولم يسْتمهل، وقال: فالآن.

فلو كانت المرَّةُ الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقُّنِهِ، وعلمه به، ضد قول من زعم أنَّ أصحاب الحديث حمالةُ الحطب ورعاةُ الليل يجمعون ما لاينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلامُ جهلًا منه لمعاني الأخبار، وترك التفقُّهِ في الآثار معتمدًا منه على رأيه المنكوس، وقياسه المعكوس) (١)

وهذا التوجيه مع جلالة القائلين به = إِلَّا أنَّ سِياج التَكلُّفِ مُحيطٌ به، وذلك من جهة تقدير ما لا يدل عليه النَّصُّ، فأين البرهان المُصحِّح لدعوى تَسوُّر ملك الموت منزل نبي الله موسى - عليه السلام - بلا استئذان؟.

القول الثالث: أنَّ موسى - عليه السلام - عَرَفَ أنَّ الذي جاءه هو ملك الموت، وأنه جاءه ليقبض روحه، لكن مجيئه كان مجئ الجازم لقبض روحه و لا يبعدُ أن يكون المستقر عند جمع الأنبياء أنهم يُخيَّرون قبل ذلك بين أن يبقوا، وبين أن تقبض أرواحهم، وهذا هو الذي أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنَّه لم يُقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر) (٢) لذا لما رأى موسى مخالفة الملك للمستقر عنده بادر إلى دفعه بأن لطمه.


(١) "صحيح ابن حبان" (١٤/ ١١٤ - ١١٦ - بترتيب ابن بلبان)
(٢)

<<  <   >  >>