وعلى كُلٍّ: لا يصحُّ توهم أَنَّ ظاهر الحديث هو شكّه - عليه السلام - لحصول الاستفهام منه، فإنّه من أُولي العزم من الرُّسل الّذين لايخفى عليهم مآل كلِّ مخلوق في هذه الدُّنيا، و قد قال الله عنه: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)} الأعراف. ولا يتحقق إيمانه بالانتقال للآخرة إلَاّ بتيقُّنِهِ بأن بوابة هذا الانتقال، هو الموت. وهذا معلوم بداهة
الجواب عن المعارض الخامس: وهو: أن في رجوع ملك الموت المأمور من الله تعالى بقبض روح موسى عليه السلام دون تحقيق ما أُمر به من قبض رُوحِهِ = مخالفة لأمر الله .. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: فيه وقوع تأخير الأجل، و الثابت شرعًا أنَّ الأجلَ إذا جاءَ لا يؤخر ولا يُقَّدم قال تعالى: {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤)} نوح.
فيقال: أمَّا رجوعُ ملك الموت دون أداء ما أمر به فالجواب عنه بالآتي:
ليس هناك ما يثبت أن ما أُمر به ملك الموت من قبض روح موسى عليه السلام أنه كان على سبيل الإيجاب والإلزام، بل قد يكون ذلك يكون على سبيل التخيير.
فرجوع ملك الموت دون تحقق ما أمر به، هو بسب عدم إقدار الله تعالى له على ذلك فوجد المانع، وانْتَفَت قدرةُ الملك على إنفاذ ما أمر الله به =فلا ملامة حينئذ تتوجه إليه.