الجواب عن المعارض الرابع: وهو اعتراضهم بأن في سؤال موسى عليه السلام لله بـ" ثم ماذا "؟ إِيهامٌ بأنَّ موسى ماكان يعلم أنه سيموت.
فيقال: هذا الاعتراض كما ترى فاسدٌ بالمرَّةِ،؛ إذ كيف ينقدحُ هذا الاعتراض، عند من شادَ شيئًا من لِسان العَربِ، وسَنَنِها في الخِطاب، فإنّه من المعلوم لغةً، أَنَّه لا يلزمُ من الاستفهام بـ (ماذا) أن يكون كل استفهام بهذه الأداة صادرًا عن شكٍّ، أو جَهْلٍ، بل قد يكون الاستفهام لطلب حصول ماغاب عن ذهن غير المُتكلّم فيكون استفهامه عند التحقيق لغيره لا له، وقد يكون الاستفهام للتوبيخ والتقريع، إلى غير تلك الأَغراض (١)، فقد يستفهم العالم كما يستفهم الجاهل كما يستفهم الشّاكُّ.
ومما يوقفكُ على ذلك: ماتراه جليًّا في كتاب الله الّذي حوى من جَرَيان الاستفهام لمعنىً غيرِ طلب تحصيل ما جهله المُتكلِّم، كمثل قول تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١)} الغاشية. ويقول: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١)} ص.
والذي يقطع به كل مؤمن أن استفهام الله تعالى في تلكم الآيات لم يكُ صادرًا عن جهل، معاذ الله، ولا عن شَكٍّ، حاشا لله، فهذا لا يقوله مسلم.
فعُلمَ بذلك مجيء الاستفهام لأغراضٍ شتى، فوجبَ حينئذ حمل استفهام موسى على معنى غير الشكّ، فقد يكون وجه استفهامه عمّا سيقع له إن اختار البقاء في الدّنيا: هل سيخيَّرُ بعد انقضاء مدة البقاء بين البقاء والموت مرّة أخرى، أم لا تخيير بعد ذلك؟