للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكاد تأتي بقلب العادة فَتُبادر بالتكذيب، وذلك مثل ما يُقال: إن عارفًا (١) اسْتسقى للنَّاس فَسُقوا، أو استشفى لهم فَشُفوا، أو دعا عليهم، فخسف بهم وزلزلوا .. ودعا لهم فصَرَف عنهم الوباء والمُوتان (٢) . أو خشع لبعضهم سَبُع .. أو مثل ذلك، ممَّا لا تؤخذ في طريق الممتنع الصريح =فتوقَّف ولا تعجلْ، فإن لأمثال هذه أَسبابًا في أَسرار الطبيعة) (٣)

فابن سينا يُقرُّ بأن ما يجري للأنبياء ليس خارقًا للعادة وخارجا عن قوانين الطبيعة، وما ذكره من أمثلة لا يخرج عن قانون السننيَّة فليست تلك الصور المسوقة أمثلة صادقةً مطابقة لآيات الأنبياء، لذا قال شارح الإشارات (٤) مبيِّنًا مراد ابن سينا بقوله: (تكاد تأتي بقلب العادة)، فقال: (إِنَّما قال "تكاد تأتي ... " ولم يقل: "تأتي بقلب العادة"؛ لأَنَّ تلك الأفعال، ليست عند من يَقِفُ على عللها المُوجِبة إيَّاها بخارقةٍ للعادة، إِنَّما هي خارقة بالقياس إلى من لا يَعْرِف تلك العلل) (٥)

وابن سينا يُرجع كُلَّ سببٍ غريب سواء كان خارقًا للعادة عند التحقيق، أم لم يكن كذلك =إلى ثلاثة علل طبيعية، وفي تقرير ذلك يقول: (إنَّ الأمورَ الغريبةَ تنبعِثُ في عالم الطَّبيعةِ من مبادئ ثلاثة:

أحدها: الهيئة النَّفسيَّة المذكورة.

وثانيها: خواصّ الأجْسام العَصْريَّةِ، مثل جَذب المغناطيس الحديد بقوَّةٍ تَخُصّه.


(١) كذا في النسخة المطبوعة، والمُثبت عند شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الصفديَّة (١/ ١٧٨): نبيًّا، ولعلَّ النسخة التي اعتمد عليها المحقق تختلف عن نسخة ابن تيمية.
(٢) المُوتان: على وزن"الطوفان"، وهو موتٌ يقع في البهائم=انظر شرح نصير الطوسي للإشارات (٤/ ١٥١)
(٣) "الإشارات والتنبيهات"لابن سينا (٤/ ١٥٠)
(٤) وهو نصير الدين الطوسي.
(٥) "شرح الإشارات والتنبيهات" (٤/ ١٥٠)

<<  <   >  >>