للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثالثها: قوى سَماوية، بينها وبين أَمْزجة أجسام أَرضيَّةٍ مخصوصة بهيئات وضعيَّة. أو بينها وبين قوى نفوس أَرضيَّة مخصوصة بأحوال فلكية فعليَّة، أو انفعالية مُناسبةٌ تَسْتتبع حدوث آثار غريبة. والسِّحر من قبيل القسم الأوَّل. بل المعجزات والكرامات، والنيرنجات من قَبيل القسم الثَّاني) (١)

وممن انتحل هذا القول من أَتباع المدرسة الباطنية المُعاصرة=محمد شحرور حيث عدّ ما يقع للأنبياء من خوارق العادات لا يخرج عن كونها ظاهرة طبيعية قُدِّم زمنها، وليست خروجًا عن مقتضى السُّنن، فتراه يقول: (يمكنُ أَنّ نُعرِّفَ المعجزات للأنبياءِ بما يلي: المُعجِزةُ عند كُلِّ الأنبياء قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -: هي تَقَدُّمٌ في عالم المحسوس ((ظاهرة طبيعية)) عن عالم المعقول السَّائد وقت المُعجِزة ((كشَقِّ البحرِ)) ولكنَّها بحالٍ من الأحوال ليست خروجًا عن قوانين الطبيعة أَو خَرْقًا لها، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨)} الرعد. ودائمًا يدخل الإذن ضمن قوانين الطبيعةِ الصارمة =أي هي عبارة عن قَفْزةٍ زمانية إلى الأمام في تطويع قوانين الطبيعة. ولَرُبَّ سائلٍ يسأل: ألا يُعدُّ إحياء المسيح الموتى خرقًا لقانون الطبيعة؟ أقول: ليس هذا بخرق، لأنَّه يوم القيامةِ سَيُبَعثُ الناس جميعًا وهم في عداد الأموات ... ) (٢)

والحقُّ أنَّ تفسير آيات الأنبياء تفسيرًا طبيعيًّا يُخالف الحقيقة الموضوعية لهذه الآيات، فإنَّ إحياء الموتى، وانشقاق القمر، وانفلاق البحر، وخروج الناقة من الجبل =كلّها آيات خارجة عن سنن الطبيعة وقوانينها، لا يمكن ردّها إلى قوى النَّفس، ولا إلى كونها ((قَفْزة زمانيَّة))!


(١) "الإشارات" (٤/ ١٥٨ - ١٥٩)
(٢) "الكتاب والقرآن"لمحمد شحرور (١٨٥)

<<  <   >  >>