فإن هذه الآيات لا يمكن وقوعها إلَاّ لنبيٍّ ولن تقع لغير الأنبياء مهما تقدَّم الزَّمن.
فإرجاع هذه الآيات إلى علل طبعيَّةٍ =باطل لأنّه مؤسسٌ على أمرين باطلين:
الأوَّل: تعجيز الرَّب تبارك وتعالى، وهذا لازم نفيهما، فابن سينا يعتقد أنَّ الله تعالى علَّةٌ موجبة بالذَّات مُسْتَلْزِمةٌ لمعلولها، وإذا كان علةً فيمتنعُ أن تتغيَّر أَفعالُه عن القانون الطبيعي، فأنكر بذلك مشيئة الرَّب تعالى وقدرته على خلق الآيات وإجرائها على وفق أَسباب يخلقها، وبحكمة يقصدها (١) .
والأمر الآخر: أنَّ قصْر أَسباب الآيات على القانون الطبيعي ونفي ماعدا ذلك يفتقر إلى دليل يصححه، ولا دليل إلَاّ التحكُّم، فعدم الوجدان لا يعني وجدان العدم.
وأمَّا تأويل شحرور "الإذن" في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} بقوله: (ودائمًا يدخل الإذن ضمن قوانين الطبيعةِ الصارمة) =فخوضٌ في آيات الله بالباطل. ودعواه معلومة الفساد؛ لأنّها تقييد لإرادة الله تعالى بمخلوقاته، والله تعالى لامانع لما أراد، ولا دافع لما قضى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} يس: ٨٢ {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦)} البروج. هذا أَمرٌ.
والأمر الآخر: أنَّ تأويله أَجنبيٌ عما دلَّت عليه الآية، ومنافٍ لسياقها، فالآية إِنَّما تُبيِنُ عن أنَّ الأَنبياء لا يقدرون على المجيء بآية دالة على صدقهم إلَاّ بإذنِ الله وأمره، وهي جواب لأقوامهم الَّذين اقترحوا الآيات على رسل الله. فاستبان أن وقوع الآيات منوطٌ بأمر الله.