وهذه التَبَعيَّة والإناطة هي بُرَهان على ربوبيَّته - عز وجل - وكمال قدرته.
وعلى هذا؛ يتحرّر الفرق بين التقريرين: تقرير الآية الدَّال على إثبات كمال ربوبية الله تعالى وتمام إرادته، وتقرير شحرور الّذي يسلب الله تعالى فيه إرادته ونفاذ أمره. وكُلُّ تأويل عاد على النصِّ بما يوهم النقص والإبطال فهو حقيق بالفساد والبطلان.
وفي بيان معنى الآية عند أئمة التفسير يقول الإمام ابن جرير - رحمه الله -: (وما يَقدِرُ رسولٌ أَرسَلَه الله إلى خَلْقه أن يأتي أمتَه بآيةٍ وعلامة: من تسيير الجبالِ، ونقلِ بلدةٍ من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، وإحياء الموتى، ونحوها من الآيات {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يقول: إلاّ بأمر اللهِ الجبالَ بالسير، والأرضَ بالانتقالِ، والمَيِّت بأن يحيا)(١)
وأمَّا سعيه للبرهنةِ على دعواه بضربه المثل بمعجزة إحياء الموتى، وتسويته بين زمن وقوعها في الدُّنيا، وزمن وقوعها يوم القيامةِ=فَسَعْيٌ ذاهب في الفساد، ذلك أنّ مثاله لا يُحرزُ مطلوبه؛ لأن جريان الإحياء على يد نبي -بإذن الله- خرق للعادة في زمن اتساق السنن، واطّرادها. وأمّا وقوع الإحياء يوم القيامة فإنه حاصل في زمنٍ تُخرق فيه العادة، وتنتقض فيه السُّنن.
فتحصَّل من ذلك: أنّ تسويته واقعة بين زمنين مختلفين وحالين متمايزين لا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر. وعلى تقدير صحة ما ضربه من صورة لعدم خروج المعجزة عن مقتضى السنن فإنَّه يتعذر عليه تطويع بقية الآيات لهذا التفسير، فلا يستطيع البرهنة على خروج النَّاقة مرة أخرى يوم القيامة من صدع الجبل، ولا انقلاب العصا حية تسعى إلخ ...