للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للسُّنن الكونيَّة، وبين ما لا يجري على سنن الطبيعة ممَّا لا يصلُ إلى حدِّ خَرْقِ السُّنن.

وبهذا التفريق الكاسِد أَنكروا الأَوَّل، وعدّوه ضربًا من الخيال، وقبلوا الآخر، وهو وجود ما يعتبر انحرافًا عارضًا عن جَوهر الطبيعة كـ (العادات غير العقلانيّة والجرائم) (١)

وهذا الأَساسُ الباطل وقع أَسيرًا له نَفَر من الباحثين الّذين لم يكن لهم إلَاّ اجترار ما سطره أَرباب المنهج الوضعي؛ تقليدًا، وتبعيَّة، مع إعادة صياغته، والتنقير في كُتُب التّراث عمَّا يُسْعفهم لتوسيع دائرة الأَمثلة والشَّواهد؛ ليُؤخذ ما زبروه مأخذ التسليم والقبول. فـ "عبدالمجيد الشَّرفي" -مثلًا- يُغالط الحقائق بوسمه آيات الأنبياء - عليه السلام - بأنّها من توليد المِخيال الجمعي، لا أنَّها حقائق تواترت عنهم تواترًا قطعيًّا، وأَنَّها محصَّل ضرورتين: الضرورة الشَّرعيَّة، والضرورة العقليّة الحسيَّة؛ حيث وقع لأمم معاينتها. حيث يقول: (كُتبُ السِّيرة، ولا سيِّما المتأخرة منها، مَحشوَّة بهذه الخوارق الماديَّة التي ذهب المخيال الجَمْعي إلى أَنَّ كمال النُّبوّة لا يكون إلَاّ بها) (٢)

ونِسبةُ تلك الخوارق إلى كُتُب السِّيرة، تدليس كما لا يخفى؛ وذلك للتّعمية عن المصدرين الرَّئيسين اللَّذين يَستمِدُّ منهما المسلمون خبر تلك الآيات، ألا وهما: الكتاب، وما صح من سُنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ويتبعه أيضًا في توصيفه الجائر لتلك المعجزات =تلميذُهُ "بسَّام الجمل"؛ حيث يصف"آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - " التي نَزَل القرآنُ بشأنها، بقوله: (عَثرنا في بعضِ أَخبار النُّزول على ضَرْبٍ من ضروب المُتخيَّل، لا تكونُ


(١) انظر "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة": للدكتور عبدالوهاب المسيري (١/ ٢٩١)
(٢) "الإسلام بين الرِّسالة والتَّاريخ"للشَّرفي (٨٩ - هامش رقم [١])

<<  <   >  >>