فآيات الأَنبياءِ -عند هذه الطائفة- لا تخرج عن كونها مِخيالًا، ليس لها وجودٌ خارجي وهذا نَهْجُ من عَجَزَ عن إِقامة البرهان على بُطلان تلك الآيات، وهو مسلك المشركين حينما عَجِزوا عن ردِّ الآيات التي جاءهم بها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)} النحل.
فهؤلاء ليس معهم إلَاّ النَّفي. والنَّفي المتجرد عن البرهان ليس علمًا.
وأمّا دعوى الجابري أنَّ القرآن هو الآية التي اختُصَّ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا تكون له آيةٌ أخرى تخرق العادة=فبيِّنة البطلان؛ لأنّ الاختصاص بالقرآن لا يقضي على الآيات الأخرى بالنَّفي فإنّ الرسل وإن اشتركوا معه - صلى الله عليه وسلم - في جنس تلك الآيات فإنّ ما أجراه الله له أعظم وأبهر، وأما استدلاله على نفيه، بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} العنكبوت. ثُمَّ إنَّ قوله تعقيبًا على الآية:(واضحٌ أنّنا أمام إغلاقٍ نهائي لمسألة إمكانية تخصيص خاتم النبيين والمرسلين بمعجزة من جنس ما طالبت به قريش. لقد قرّرت الآية أنَّ القرآن كافٍ وحده كمعجزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أنهت الجدل في الموضوع بأن خاطبت النبيَّ أن: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٥٢)} العنكبوت: ٥٢ ... ) (١)
فليس فيما استدلَّ به مُستمسك؛ لأن الإغلاق واقعٌ في إجابة أهل مكةَ فيما اقترحوه من الآيات، لا في مطلق الآيات، بدلالة قوله تعالى: